[ ولكن المنافقين لا يفقهون ] أي ولكن المنافقين لا يفهمون حكمة الله وتدبيره، فلذلك يقولون ما يقولون، من مقالات الكفر والضلال.. ثم عدد تعالى بعض قبائحهم وأقوالهم الشنيعة، فقال سبحانه :
[ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ] أي يقولون لئن رجعنا من هذه الغزوة - غزوة بني المصطلق - وعدنا إلى بلدنا المدينة المنورة،
[ ليخرجن الأعز منها الأذل ] أي لنخرجن منها محمدا وصحبه، والقائل هو " ابن سلول " رأس المنافقين، وعنى بالأعز نفسه وأتباعه، وبالأذل رسول الله (ص) ومن معه قال المفسرون : لما قال ابن سلول ما قال ورجع إلى المدينة، وقف له ولده " عبد الله، على باب المدينة واستل سيفه، فجعل الناس يمرون به، فلما جاء أبوه قال له ابنه : وراءك، والله لا تدخل المدينة أبدا حتى تقول : إن رسول الله هو الأعز، وأنك الأذل فقالها، ثم جاء ابنه إلى رسول الله (ص) فقال يا رسول الله : بلغني أانك تريد أن تقتل أبي، فإن كنت فاعلا فمرني فأنا أحمل إليك رأسه !! فقال له رسول الله (ص) : بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا
[ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ] أي لله جل وعلا القوة والغلبة، ولمن أعزه وأيده من رسوله والمؤمنين، لا لغيرهم، والصيغة تفيد الحصر، قال القرطبي : توهموا أن العزة بكثرة الأموال والأتباع، فبين الله أن العزة والمنعة لله ولرسوله وللمؤمنين
[ ولكن المنافقين لا يعلمون ] أي ولكن المنافقين لفرط جهلهم وغرورهم، لا يعلمون أن العزة والغلبة لأوليائه دون أعدائه
[ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ] لما ذكر قبائح المنافقين، نهى المؤمنين عن التشبه بهم في الاغترار بالأموال والأولاد، والمعنى : لا تشغلكم أيها المؤمنون الأموال والأولاد عن طاعة الله وعبادته، وعن أداء ما افترضه عليكم من الصلاة، والزكاة، والحج، كما شغلت المنافقين، قال أبو حيان : أي لا تشغلكم أموالكم بالسعي في نمائها، والتلذذ بجمعها، ولا أولادكم بسروركم بهم، وبالنظر في مصالحهم، عن ذكر الله، وهو عام في الصلاة، والتسبيح، والتحميد، وسائر الطاعات
[ ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ] أي ومن تشغله الدنيا عن طاعة الله وعبادته، فأولئك هم الكاملون في الخسران، حيث آثروا الحقير الفاني، على العظيم الباقي، وفضلوا العاجل على الآجل
[ وأنفقوا مما رزقناكم ] أي وأنفقوا في مرضاة الله، من بعض ما أعطيناكم وتفضلنا به عليكم من الأموال
[ من قبل أن يأتي أحدكم الموت ] أي قبل أن يحل الموت بالإنسان، ويصبح في حالة الاحتضار
[ فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب ] أي فيقول عند تيقنه الموت : يا رب هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى زمن قليل ! !
[ فأصدق وأكن من الصالحين ] أي فأتصدق وأحسن عملي، وأصبح تقيا صالحا، قال ابن كثير : كل مفرط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة، ليستدرك ما فات، ولكن هيهات
[ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ] أي ولن يمهل الله أحدا أيا كان إذا انتهى أجله، ولن يزيد في عمره، وفيه تحريض على المبادرة بأعمال الطاعات، حذرا أن يجيء الأجل وقد فرط، ولم يستعد للقاء ربه
[ والله خبير بما تعملون ] أي مطلع وعالم بأعمالكم، من خير أو شر، ومجازيكم عليها.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من الفصاحة والبيان نوجزها فيما يلي :
١ - التأكيد بالقسم وإن واللام [ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ] زيادة في التقرير والبيان.