[ يا أيها النبى إذا طلقتم النساء ] الخطاب للنبي (ص) والحكم عام له ولأمته، وخص هو بالنداء (ص)تعظيما له، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا أي افعل أنت وقومك، فهو نداء على سبيل التكريم والتعظيم، قال القرطبي : الخطاب للنبي (ص) خوطب بلفظ الجماعة [ طلقتم ] تعظيما وتفخيما، والمعنى : يا أيها النبي ويا أيها المؤمنون إذا أردتم تطليق النساء
[ فطلقوهن لعدتهن ] أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن، وذلك في الطهر، ولا تطلقوهن في الحيض، قال مجاهد : أي طاهرا من غير جماع لقوله (ص) :(فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها، فتلك العذة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء) قال المفسرون : وإنما نهي عن طلاق المرأة وقت الحيض لئلا تطول عليها العذة فتتضرر، ولأن حالة الحيض منفرة للزوج، تجعله يتسرع في طلاقها، بخلاف ما إذا كانت طاهرا، وكونه لم يجامعها في ذلك الطهر، لئلا يحصل من ذلك الوطء حمل، فتنتقل العذة من الحيض لوضع الحمل، وفي ذلك ضرر ظاهر
[ وأحصوا العدة ] أي اضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء كاملة لئلا تختلط الأنساب
[ واتقوا الله ربكم ] أي خافوا الله رب العالمين، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه
[ لا تخرجوهن من بيوتهن ] أي لا تخرجوهن من مساكنهن، بعد فراقكم لهن، إلى أن تنقضى عدتهن
[ ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ] أي ولا يخرجن من البيوت حتى تنقضي عدتهن، إلا إذا قارفت المطلقة عملا قبيحا، كالزنى، فتخرج لإقامة الحد عليها (( تفسير الفاحشة بالزنى هو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة، وروي عن ابن عباس ايضا أنه البذاء باللسان على الأحماء وهو قول أبي بن كعب وهو الأظهر )) قال في التسهيل : نهى الله سبحانه وتعالى أن يخرج الرجل المرأة المطلقة من المسكن الذي طلقها فيه، ونهاها هي أن تخرج باختيارها، فلا يجوز لها المبيت خارجا عن بيتها، ولا أن تغيب عنه نهارا إلا لضرورة التصرف، وذلك لحفظ النسب وصيانة المرأة، واختلف في الفاحشة التى تبيح خروج المعتدة فقيل : إنها الزنى فتخرج لإقامة الحد عليها، وقيل : إنه سوء الكلام مع الأصهار وبذاءة اللسان فتخرج، ويسقط حقها من السكنى، ويؤيده قراءة " إلا أن يفحشن عليكم "
[ وتلك حدود الله ] أي وهذه الأحكام هي شرائع الله ومحارمه
[ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ] أي ومن يخرج عن هذه الأحكام، ويتجاوزها إلى غيرها، ولا يأتمر بها، فقد ظلم نفسه بتعريضها للعقاب، وأضر بها حيث فوت على نفسه، إمكان إرجاع زوجته إليه قال الرازي : وهذا تشديد فيمن يتعدى طلاق السنة، ومن يطلق لغير العدة
[ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ] أي لا تعرف أيها السامع، ماذا يحدث الله بعد ذلك الطلاق من الأمر ؟ فلعل الله يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، فيجعله راغبا في زوجته، بعدما كان كارها لها قال ابن عباس : يريد الندم على طلاقها، والمحبة لرجعتها في العدة (( قال ابن القيم :" إن الله تعالى لما كان يبغض الطلاق، لما فيه من انفصام عرى الزوجية، وموافقة عدوه إبليس، حيث يفرح بافتراق الزوجين، وكان مع ذلك يحتاج إليه الزوج أو الزوجة، شرعه على وجه تحصل به المصلحة، وتندفع به المفسدة، وحرمه على غير ذلك الوجه، فشرع له أن يطلقها طاهرا من غير جماع، طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها، فان زالت اسباب الخلاف وحصلت الموافقة، كان له سبيل الى إعادتها، وجعل العدة ثلاثة قروء، ليطول زمن المهلة والاختيار، فهذا هو الذي شرعه وأذن فيه " نقلا عن محاسن التأويل
[ فإذا بلغن أجلهن ] أي فإذا شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك