[ فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ] أي فراجعوهن إلى عصمة النكاح مع الإحسان في صحبتهن كما أمر الله، أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن، قال المفسرون : الإمساك بالمعروف هو إحسان العشرة وتوفية النفقة، من غير قصد المضارة في الرجعة، لتطول عليها العدة، والفراق بالمعروف هو أداء الصداق، والمتعة عند الطلاق، والوفاء بالشروط مع توفية جميع حقوقها
[ وأشهدوا ذوي عدل منكم ] أي واشهدوا عند الطلاق أو الرجعة، شخصين من أهل العدالة والاستقامة ممن تثقون في دينهما وأمانتهما قال في البحر : وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله تعالى [ واشهدوا إذا تبايعتم ] وعند الشافعية واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة
[ وأقيموا الشهادة لله ] أي اشهدوا بالحق دون تحيز لأحد، خالصا لوجه الله تعالى من غير تبديل ولا تغيير، ودون مراعاة للمشهود له أو المشهود عليه
[ ذلكم يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ] أي هذا الذي شرعناه من الأحكام، إنما ينتفع ويتعظ به المؤمن الذي يخشى الله، ويخاف الحساب والعقاب في الدار الآخرة
[ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ] أي ومن يراقب الله ويقف عند حدوده، يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ويرزقه من وجه لا يخطر بباله ولا يعلمه، قال مجاهد : كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال : إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال : ينطلق أحدكم فيركب أحموقته ثم يقول : يا ابن عباس، يا ابن عباس !! والله تعالى يقول [ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ] وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك وقال المفسرون : الآية عامة وقد نزلت في (عوف بن مالك الأشجعي ) أسر المشركون ابنه، فأتى رسول الله (ص)وشكا إليه الفاقة، وقال : ان العدو أسر ابني وجزعت أمه فما تأمرني ؟ فقال (ص)له : اتق الله واصبر، وآمرك واياها أن تستكثرا من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله ) ففعل هو وامرأته، فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب، ومعه مائة من الإبل، غفل عنها العدو فاستاقها، فنزلت [ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ]
[ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] أي ومن يعتمد على الله، ويتق به فيما أصابه ونابه، فإن الله كافيه، قال الصاوي : أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، لأنه مأمور به، ولكن لا يعتمد على تلك الأسباب، وفي الحديث (لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا)
[ إن الله بالغ أمره ] أي نافذ أمره في جميع خلقه، يبلغ ما يريد ولا يعجزه شيء، قال في التسهيل : وهذا حض على التوكل وتأكيد له، لأن العبد إذا تحقق أن الأمور كلها بيد الله، توكل على الله وحده، ولم يعول على سواه
[ قد جعل الله لكل شيء قدرا ] أي قد جعل الله لكل أمر من الأمور، مقدارا معلوما ووقتا محدودا، حسب الحكمة الأزلية، قال القرطبي : أي جعل لكل شيء من الشدة والرخاء، أجلا ينتهى إليه.. ثم بين سبحانه حكم المطلقة التي لا تحيض لصغرها أو لكبر سنها، فقال سبحانه
[ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ] أي والنسوة اللواتي انقطع حيضهن، لكبر سنهن، إن شككتم وجهلتم كيف عدتهن ؟ فهذا حكمهن
[ فعدتهن ثلاثة أشهر ] اي فعدة الواحدة منهن ثلاثة أشهر، كل شهر يقوم مقام حيضة
[ واللائي لم يحضن ] أي وكذلك اللواتي لم يحضن لصغرهن، عدتهن ثلاثة أشهر
[ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ] أي والمرأة الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل، سواء كانت مطلقة، أو متوفى عنها زوجها


الصفحة التالية
Icon