[ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ] أي ومن يراقب الله، ويخشاه في أقواله وأفعاله، ويجتنب ما حرم الله عليه، يسهل عليه أمره ويوفقه لكل خير
[ ذلك أمر الله أنزله إليكم ] أي ذلك هو حكم الله وشرعه الحكيم، أنزله عليكم أيها المؤمنون لتأتمروا به، وتعملوا بمقتضاه
[ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ] أي ومن يتق ربه، يمح عنه ذنوبه، ويضاعف له الأجر والثواب، قال الصاوي : كرر التقوى لعلمه سبحانه وتعالى أن النساء ناقصات عقل وديني، فلا يصبر على أمورهن إلا أهل التقوى وقال في البحر : لما كان الكلام في أمر المطلقات، وكن لا يطلقن إلا عن بغض أزواجهن لهن، وقد ينسب الزوج إليها ما يشينها وينفر الخطاب عنها، فلذلك تكرر الأمر بالتقوى، وجاء مبررا في صورة شرط وجزاء [ ومن يتق الله يجعل ] الآية
[ اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ] أي أسكنوا هؤلاء المطلقات، في بعض مساكنكم التي تسكنونها، على قدر طاقتكم ومقدرتكم، فإن كان موسرا وسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيرا فعلى قدر الطاقة
[ ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ] أي ولا تضيقوا عليهن في السكنى والنفقة، حتى تضطروهن إلى الخروج أو الافتداء
[ وإن كن أولات حمل ] أي وإن كانت المطلقة حاملا
[ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ] أي فعلى الزوج أن ينفق عليها - ولو طالت مدة الحمل - حتى تضع حملها
[ فإن أرضعن لكم ] أي فإذا ولدت ورضيت أن ترضع له ولده
[ فآتوهن أجورهن ] أي فعلى الرجل أن يدفع لها أجر الرضاعة، لأن الأولاد ينسبون إلى الآباء قال في التسهيل : والمعنى إن أرضع هؤلاء الزوجات المطلقات أولادكم، فآتوهن أجرة الرضاع وهي النفقة وسائر المؤن،
[ وأتمروا بينكم بمعروف ] أي وليأمر كل منهما صاحبه بالخير، من المسامحة والرفق والإحسان، قال القرطبي : أي وليقبل بعضكم من بعض ما أمره به من المعروف الجميل، والمعروف منها : إرضاع الولد من غير أجرة، والمعروف منه : توفير الأجرة عليها للإرضاع
[ وإن تعاسرتم ] أي تضايقتم وتشددتم، وعسر الاتفاق بين الزوجين، فأبى الزوج أن يدفع لها ما تطلب، وأبت الزوجة أن ترضعه بأنقص من ذلك الأجر
[ فسترضع له أخرى ] أي فليستأجر لولده مرضعة غيرها، وهو خير بمعنى الأمر أي فليسترضع لولده مرضعة أخرى قال أبو حيان : وفيه عتاب للأم لطيف، كما تقول لمن تطلب منه حاجة فيتوانى عنها : سيقضيها غيرك، تريد أنها لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم ) قال الضحاك : إن أبت الأم أن ترضع، استأجر لولده أخرى، فإن لم يقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر
[ لينفق ذو سعة من سعته ] هذا بيان لقدر الإنفاق والمعنى : لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير، على قدر وسعه وطاقته، قال في التسهيل : وهو أمر بأن ينفق كل واحد على مقدار حاله، فلا يكلف الزوج ما لا يطيق، ولا تضيع الزوجة بل يكون الحال معتدلا، وفي الآية دليل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الناس يسرا وعسرا
[ ومن قدر عليه رزقه ] أي ومن ضيق عليه رزقه، فكان دون الكفاية
[ فلينفق مما آتاه الله ] أي فلينفق علئ مقدار طاقته، وعلى مقدار ما آتاه الله من المال
[ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ] أي لا يكلف الله أحدا إلا بقدر طاقته واستطاعته، فلا يكلف الفقير، مثل ما يكلف الغني قال أبو السعود : وفيه تطييب لقلب المعسر، وترغيب له في بذل مجهوده، وقد أكد ذلك الوعد بقوله
[ سيجعل الله بعد عسر يسرا ] أي سيجعل الله بعد الضيق الغنى، وبعد الشذة السعة والرخاء، وفيه بشارة للفقراء بفتح أبواب الرزق عليهم.. ثم حذر تعالى من عصيانه وتعدي حدوده، وضرب الأمثال بالأمم السابقة، فقال
[ وكأين من قرية ] أي وكثير من أهل قرية من الأمم السالفة