ب - وروي أن رسول الله (ص)*، كان يدخل على زوجه " زينب "، رضي الله عنها فيشرب عندها عسلا، فاتفقت عانعة وحفصة على أن تقول له كل واحدة إذا دنا منها : أكلت مناقير - وهو طعام حلو كريه الريح - فلما مر على حفصة قالت له ذلك، ئم دخل على عائشة فقالت له مثل ذلك - وكان (ص)يكره أن توجد منه رائحة كريهة - فقال عليه السلام : لا، ولكني شربت عسلا عند زينب ولن أعود له وحلف فنزلت [ يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك.. ] الآيات (( الرواية الأولى عند المفسرين أشهر في سبب النزول، وهي أن الرسول (ص) حرم عليه " مارية القبطية " وقد أخرجها الدارقطنى عن ابن عباس، والرواية الثانية ذكرت في الصحيحين بأوسع من هذا وهي أصح إسنادا من الأولى، ولكن كونها سببا للنزول مستبعد، والذي يرجح الرواية الأولى أمور : أن مثل تحريم بعض النساء مما يبتغى به مرضاة بعض الزوجات لا شرب العسل أو عدمه، ثانيا أن الاهتمام بإنزال سورة فيها الوعيد والتهديد لأزواج رسول الله بالطلاق واستبدالهن بنساء خير منهن، وأن الله وملائكته وصالح المؤمنين عون لرسول الله (ص)، يدل على وجود تنافس بينهن وغيرة بعضهن من بعض، مما أدى إلى إيذاء رسول الله (ص) فعلا حتى حرم بعض جواريه إرضاء لهن، واستكتم البعض منهن الأمر فأفشين السر، وهذا يرجح ما ذكرناه وقد قال العلامة ابن كثير : وكون قضية شرب العسل سببا للنزول فيه نظر، والله أعلم )).
التفسير :
[ يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك ] الخطاب بلفظ النبوة، شعر بالتوقير والتعظيم، والتنويه بمقامه الرفيع الشريف، فلم يخاطبه باسمه العلم، كما خاطب سائر الرسل، بقوله " يا إبراهيم، يا نوح، يا عيسى ابن مريم " وإنما خاطبه بلفظ النبوة أو الرسالة، وذلك أعظم دليل! وبرهان على أنه - صلوات الله عليه - أفضل الأنبياء والمرسلين، ومعنى الآية : يا أيها الموحى إليه من السماء، المنبأ بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، لماذا تمنع نفسك مما أحل الله لك من النساء ؟ ! قال المفسرون : إن رسول الله (ص)خلا بأم ولده " مارية " في بيت حفصة وعلمت بذلك فقال لها : اكتمى على وقد حرمت مارية على نفسي، فنزلت الآية [ يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك ] وفي افتتاح العتاب من حسن التلطف ما لا يخفى، فقد عاتبه على إتعاب نفسه، والتضييق عليها من أجل مرضاة أزواجه، كأنه يقول : لا تتعب نفسك في سبيل أزواجك، وأزواجك يسعين في مرضاتك، فأرح نفسك من هذا العناء
[ تبتغي مرضات أزواجك ] ؟ أي تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحل الله لك ؟ قال في التسهيل : يعنى تحريمه للجارية ابتغاء رضا حفصة، وهذا يدل على أنها نزلت في (تحريم الجارية)، وأما تحريم العسل فلم يقصد فيه رضا أزواجه، وإنما تركه لرائحته
[ والله غفور رحيم ] أي والله واسع المغفرة، عظيم الرحمة، حيث سامحك في امتناعك عن مارية، وإنما عاتبك رحمة بك، وفي هذا إشارة إلى أن عتابه فى ذلك، إنما كان كرامة له، وإنما وقع العتاب لتضييقه عليه السلام على نفسه، وامتناعه مما كان له فيه أنس ومتعة!! وبئس ما قاله الزمخشري في أن هذا كان منه (ص)في زلة، لأنه حرم ما أحل الله له إلخ فإن هذا القول قلة أدب مع مقام النبؤة، وجهل بصفات المعصوم، فلم يكن منه صلوات الله عليه تحريم للحلال كما زعم حتى تعتبر مخالفة ومعصية، وإنما امتنع عن بعض إمائه تطيببا لخاطر بعض أزواجه، فعاتبه الله تعالى عليه رفقا به، وتنويها بقدره، واجلالا لمنصبه عليه السلام، أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريا على ما ألف من لطف الله تعالى به
[ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ] أي قد شرع الله لكم يا معشر المؤمنين، ما تتحللون به من أيمانكم وذلك بالكفارة


الصفحة التالية
Icon