[ والله مولاكم ] أي والله وليكم وناصركم
[ وهو العليم الحكيم ] أي وهو العليم بخلقه، الحكيم في صنعه، فلا يأمر ولا ينهى، إلا بما تقتضيه الحكمة والمصلحة.. ثم شرع تعالى في بيان القصة التي حدثت لرسول الله (ص)مع بعض زوجاته، فقال سبحانه
[ وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا ] أي واذكر حين أسر النبى محمد (ص)إلى زوجته حفصة خبرا واستكتمها إياه قال ابن عباس : هو ما أسر إلى حفصة من تحريم الجارية على نفسه، كما أخبرها بأن الخلافة بعده تكون في أبى بكر وعمر (( قال الرازي : لما رأى النبي (ص) الغيرة في وجه حفصة أراد أن يترضاها، فأسر إليها بشيئين : تحريم الأمة على نفسه، والبشارة بأن الخلافة بعده فى أبى بكر وعمر فافشت السر، فكان ذلك سببا لغضب الرسول (ص) )). وطلب منها ألا تخبر بذلك أحدا
[ فلما نبأت به ] أي فلما أخبرت بذلك السر عائشة وأفشته لها
[ وأظهره الله عليه ] أي وأطلع الله نبيه بواسطة جبريل الأمين على إفشائها للسر
[ عرف بعضة وأعرض عن بعض ] أي أعلمها وأخبرها رسول الله (ص) ببعض الحديث الذي أفشته معاتبا لها، ولم يخبرها بجميع ما حصل منها، حياة منه وكرما، فإن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات، والتقصير في اللوم والعتاب قال الحسن : ما استقصى كريم قط، وقال سفيان : ما زال التغافل من شيم الكرام قال الخازن : المعنى أن النبي (ص) أخبر حفصة ببعض ما أخبرت به عائشة، وهو تحريم مارية على نفسه، وأعرض عن ذكر الخلافة لأنه (ص) كره أن ينتشر ذلك في الناس
[ فلما نبأها به ] أي فلما أخبر الرسول حفصة بأنها قد أفشت سره
[ قالت من أنبأك هذا ] أي قالت : من أخبرك يا رسول الله بأني أفشيت سرك ؟ قال أبو حيان : ظنت حفصة أن عائشة فضحتها - وكانت قد استكتمتها - فقالت : من أنبأك هذا على سبيل التثبت، فأخبرها أن الله جل وعلا هو الذي نبأه به، فسكتت وسلمت
[ قال نبأني العليم الخبير ] أي فقال عليه السلام : أخبرني بذلك رب العزة، العليم بسرائر العباد، الخبير الذي لا تخفى عليه خافية
[ أن تتوبا إلى الله ] الخطاب لحفصة وعائشة، خاطبهما تعالى بطريق الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما، وحملهما على التوبة، مما بدر منهما من الإيذاء لسيد الأنبياء، وجوابه محذوف تقديره أي إن تبتما كان خيرا لكما، من التعاون على النبي (ص) بالإيذاء
[ فقد صغت قلوبكما ] أي فقد زاغت ومالت قلوبكما، عما يجب عليكما، من الإخلاص لرسول الله، بحب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه
[ وإن تظاهرا عليه ] أي وأن تتعاونا على النبي (ص) بما يسوءه، من الوقيعة بينه وبين سائر نسائه
[ فإن الله هو مولاه ] أي فإن الله تعالى هو وليه وناصره، فلا يضره ذلك التظاهر منكما
[ وجبريل وصالح المؤمنين ] أي وجبريل كذلك وليه وناصره، والصالحون من المؤمنين قال ابن عباس : أراد بصالح المؤمنين (أبا بكر وعمر) فقد كانا عونا له عليه الصلاة والسلام عليهما قال في التسهيل : معنى الآية : إن تعاونتما عليه (ص)بما يسوءه من إفراط الغيرة، وإفشاء سره ونحو ذلك، فإن له من ينصره ويتولاه، وقد ورد في الصحيح أنه لما وقع ذلك جاء عمر إلى رسول الله (ص) فقال يا رسول الله : ما يشق عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل، وأبو بكر وعمر معك، فنزلت الآية موافقة لقول عمر


الصفحة التالية
Icon