[ والملائكة بعد ذلك ظهير ] أي والملائكة الأبرار بعد حضرة الله، وجبريل، وصالح المؤمنين، أعوان لرسول الله (ص)على من عاداه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين، على من هؤلاء أعوانه وأنصاره ؟ ! أفرد [ جبريل ] بالذكر تعظيما له، وإظهارا لمكانته عند الله تعالى، فيكون قد ذكر مرتين : مرة بالإفراد، ومرة في العموم، ووسط [ صالح المؤمنين ] بين جبريل والملائكة تشريفا لهم، واعتناء بهم، وإشادة بفضل الصلاح، وختم الآية بذكر [ الملائكة ] أعظم المخلوقات وجعلهم ظهراء للنبي عليه السلام، ليكون أفخم بالنبى صلوات الله عليه، وعظم مكانته، والانتصار له، إذ هم بمثابة جيش جرار، يملأ القفار، نصرة للنبي المختار، فمن ذا الذي يستطيع أن يناوىء الرسول (ص) بعد ذلك ؟ ثم خوف تعالى نساء النبي بقوله
[ عسى ربه أن طلقكن ] قال المفسرون :[ عسى ] من الله واجب أي حق واجب على الله إن طلقكن رسوله
[ أن يبدله أزواجا خيرا منكن ] أي أن يعطيه عليه السلام بدلكن زوجات صالحات، خيرا وأفضل منكن قال القرطبي : هذا وعد من الله تعالى لرسوله لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه نساء خيرا منهن، والله عالم بأنه لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته، على أن رسوله لو طلقهن، لأبدله الله خيرا منهن، تخويفا لهن.. ثم وصف تعالى هؤلاء الزوجات اللواتي سيبدله بهن، فقال سبحانه
[ مسلمات ] أي خاضعات مستسلمات لأمر الله تعالى وأمر رسوله
[ مؤمنات ] أي مصدقات بالله وبرسوله
[ قانتات ] أي مطيعات لما يؤمرن به، مواظبات على الطاعة
[ تائبات ] أي تائبات من الذنوب، لا يصررن علئ معصية
[ عابدات ] أي متعبدات لله تعالى يكثرن العبادة، كأن العبادة امتزجت بقلوبهن حتى صارت سجية لهن
[ سائحات ] أي مسافرات مهاجرات إلى الله ورسوله (( قال ابن عباس :﴿سائحات﴾ أي صائمات واستدل بحديث :" سياحة هذه الأمة الصيام " وقال زيد بن أسلم :﴿سائحات ﴾ أي مهاجرات وتلا قوله تعالى :﴿التائبون العابدون السائحون ﴾ أي لمهاجرون، ولعل هذا الرأي أرجح لأنه يتفق مع المعنى اللغوي للسياحة وهي السفر في الأرض للاعتبار، وقد رجح ابن كثير الرأي الأول والله أعلم )).
[ ثيبات وأبكارا ] أي منهن ثيبات، ومنهن أبكارا قال ابن كثير : قسمهن إلى نوعين ليكون ذلك أشهى إلى النفس، فإن التنوع يبسط النفس، وإنما دخلت واو العطف هنا [ ثيبات وأبكارا ] للتنويع والتقسيم، ولو سقطت لأختل المعنى، لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان، فتدبر سر القرآن.. ولما وعظ نساء الرسول موعظة خاصة، اتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين، فقال سبحانه
[ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ] أي يا من صدقتم بالله ورسوله، وأسلمتم وجوهكم لله، احفظوا أنفسكم، وصونوا أزواجكم وأولادكم، من نار حامية مستعرة، وذلك بترك المعاصي وفعل الطاعات، وبتأديبهم وتعليمهم قال مجاهد : أي اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله وقال الخازن : أي مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم، حتى تقوهم بذلك من النار، والمراد بالأهل النساء والأولاد وما الحق بهما
[ وقودها الناس والحجارة ] أي حطبها الذي تسعر به نار جهنم، هو الخلائق والحجارة قال المفسرون : أراد بالحجارة حجارة الكبريت، لأنها أشد الأشياء حرا، وأسرع اتقادا، وعنى بذلك أنها مفرطة الحرارة، تتقد بما ذكر، لا كنار الدنيا تنقد بالحطب ونحوه قال ابن مسعود : حطبها الذي يلقى فيها : بنو آدم، وحجارة من كبريت، أنتن من الجيفة


الصفحة التالية
Icon