[ عليها ملائكة غلاظ شداد ] أي على هذه النار زبانية غلاظ القلوب، لا يرحمون أحدا، مكلفون بتعذيب الكفار قال القرطبي : المراد بالملائكة الزبانية، وهم غلاظ القلوب، لا يرحمون إذا استرحموا، لأنهم خلقوا من الغضب، وحبب إليهم عذاب الخلق، كما حبب لبني آدم أكل الطعام والشراب
[ لا يعصون الله ما أمرهم ] أي لا يعصون أمر الله بحال من الأحوال
[ ويفعلون ما يؤمرون ] أي وينفذون الأوامر بدون إمهال ولا تأخير.. ثم يقال للكفار عند دخولهم النار
[ يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ] أي لا تعتذروا عن ذنوبكم وإجرامكم، فلا ينفعكم اليوم الاعتذار، لأنه قد قدم إليكم الإنذار والإعذار
[ إنما تجزون ما كنتم تعملون ] أي إنما تنالون جزاء أعمالكم القبيحة، ولا تظلمون شيئا، كقوله تعالى [ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ] ثم دعا المؤمنين إلى التوبة الصادقة الناصحة، فقال سبحانه
[ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ] أي توبوا إلى الله من ذنوبكم، توبة صادقة خالصة، بالغة في النصح الغاية القصوئ، سنل عمر عن التوبة النصوح ؟ فقال : هي أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع قال العلماء : التوبة النصوح هي التي جمعت ثلاثة شروط : الإقلاع عن الذنب، والندم على ما حدث، والعزم على عدم العودة إليه، وإن كان الحق لآدمي زيد شرط رابع وهو : رد المظالم لأصحابها
[ عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ] أي لعل الله يرحمكم فيمحو عنكم ذنوبكم، قال المفسرون :" عسى من الله واجبة بمنزلة التحقيق، وهذا إطماع من الله لعباده في قبول التوبة، تفضلا منه وتكرما، لأن العظيم إذا وعد وفى، وعادة الملوك أنهم إذا أرادوا فعلا، قالوا " عسى " فهو بمنزلة المحقق،
[ ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ] أي ويدخلكم في الآخرة، حدائق وبساتين ناضرة، تجري من تحت قصورها أنهار الجنة
[ يوم لا يخزي الله النبى والذين آمنوا معه ] أي يوم لا يفضح الله النبي وأتباعه المؤمنين أمام الكفار، بل يعزهم ويكرمهم قال أبو السعود : وفيه تعريض بمن أخزاهم الله تعالى من أهل الكفر والفسوق
[ نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ] أي نور هؤلاء المؤمنين، يضىء لهم على الصراط، ويسطع أمامهم وخلفهم، وعن أيمانهم وشمائلهم، كإضاءة القمر في سواد الليل (( وفي الحديث أن النبي (ص) سئل :(كيف تعرف أمتك يوم القيامة من بين الأمم ؟ فقال :" إنهم يأتون غرا محجلين من آثار الوضوء) أي تسطع جباههم وأيديهم بالنور من آثار الطهور فيعرفهم بذلك رسول الله (ص) )).
[ يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ] أي يدعون الله قائلين : يا ربنا أكمل علينا هذا النور وأدمه لنا، ولا تتركنا نتخبط في الظلمات قال ابن عباس : هذا دعاء المؤمنين، حين أطفأ الله نور المنافقين، يدعون ربهم به إشفاقا، حتى يصلوا إلى الجنة
[ واغفر لنا ] أي وأمح عنا ما فرط من الذنوب
[ إنك على كل شيء قدير ] أي إنك أنت القادر على كل شيء، من المغفرة والعقاب، والرحمة والعذاب.. ثم أمر تعالى بجهاد أعداء الله، من الكفرة والمنافقين، فقال سبحانه
[ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ] أي جاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة والبرهان، لأن المنافقين يظهرون الإيمان، فهم مسلمون ظاهرا، فلذلك لم يؤمر عليه الصلاة والسلام بقتالهم
[ واغلظ عليهم ] أي وشدد عليهم في الخطاب، ولا تعاملهم بالرأفة واللين، إرعابا وإذلالا لهم، لتنكسر صلابتهم، وتلين شكيمتهم
[ ومأواهم جهنم ] أي ومستقرهم في الآخرة جهنم


الصفحة التالية
Icon