[ وبئس المصير ] أي وبئست جهنم مسنقرا ومصيرا للمجرمين.. ثم ضرب تعالى مثلا للكفار في عدم انتفاعهم بصلة القرابة أو المصاهرة أو النكاح، لأن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة، ولا ينفع إلا العمل الصالح، فقال سبحانه
[ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ] أي مثل تعالى للكفار، في عدم استفادتهم بقرابة المؤمنين، بحال امرأة نوح وامرأة لوط
[ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ] أي كانتا في عصمة نبيين عظيمين هما " نوح " و " لوط " عليهما السلام، وإنما وصفهما بالعبودية، تشريفا وتكريما لهما بإضاقتهما إليه تعالى
[ فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ] أي فخانت كل واحدة زوجها بالكفر وعدم الإيمان، فلم يدفعا عن امرأتيهما - مع نبوتهما - شيئا من عذاب الله (( الخيانة هنا يراد بها الخيانة في الدين لا في العرض، وقد أخطأ البعض حيث نسب لهما فاحشة الزنى، وهذا لا يجوز، لأن الله تعالى أكرم أنبياءه من أن تتعاطى واحدة منهن الفجور، بل هن شريفات مصونات لحرمة الأنبياء، وقد قال ابن عباس :" ما بغت امرأة نبى قط، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما وكانتا مشركتين "، فتدبره فإنه دقيق )).
[ وقيل أدخلا النار مع الداخلين ] أي وتقول لهما خزنة النار يوم القيامة : أدخلا نار جهنم مع سائر الداخلين، من الكفرة المجرمين، قال القرطبي : ضرب تعالى هذا المثل، تنبيها على أنه لا يغني في الآخرة أحد عن قريب ولا نسيب، إذا فرق بينهما الدين، كما لم يدفع نوح ولوط - مع كرامتهما على الله تعالى - عن زوجتيهما، لما عصتا وكفرتا شيئا من عذاب الله
[ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ] وهذا مثل آخر للمؤمن، في عدم تضرره ببقاء قريبه على الكفر، إذا كان هو مؤمنا، قال أبو السعود : أي جعل حالها مثلا لحال المؤمنين، في أن وصلة الكفر لا تضرهم، حيث كانت في الدنيا تحت أعدى أعداء الله " فرعون " وهي في أعلى غرف الجنة قال المفسرون : واسمها " آسية بنت مزاحم " آمنت بموسى عليه السلام، فبلغ ذلك فرعون فأمر بقتلها، فنجاها الله من شره، فلم يضر امرأة فرعون اتصالها به، وهو من أكفر الكافرين، ولم ينفع آمرأة نوح ولوط اتصالهما بهما، وهما رسولا رب العالمين
[ إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ] أي حين دعت ربها قائلة : يا رب اجعل لي قصرا مشيدا بجوار رحمتك، في جنة النعيم قال بعض العلماء : ما أحسن هذا الكلام ؟ فقد اختارت الجار قبل الدار، حيث قالت [ ابن لي عندك بيتا في الجنة ] فهي تطمع في جوار الله، قبل طمعها في القصور، وفي الآية دليل على إيمانها، وتصديقها بالبعث
[ ونجني من فرعون وعمله ] أي وأنقذني من كفر فرعون وطغيانه
[ ونجني من القوم الظالمين ] أي وأنقذني من الأقباط، أتباع فرعون الطاغين، قال الحسن : لما دعت بالنجاة، نجاها الله تعالى أكرم نجاة، فرفعها إلى الجنة، تأكل وتشرب وتتنعم،
[ ومريم ابنت عمران ] أي ومريم ابنة عمران مثل آخر في الإيمان
[ التي أحصنت فرجها ] أي حفظت فرجها، وصانته عن مقارفة الفواحش، فهى عفيفة شريفة طاهرة، لا كما يزعم اليهود عليهم لعنة الله، أنها زنت وأن ولدها عيسى ابن زنى
[ فنفخنا فيه من روحنا ] أي فنفخ رسولنا جبريل في فتحة جيبها، فوصل أثر ذلك إلى فرجها فحملت بعيسى قال ابن كثير : إن الله بعث جبريل، فتمثل لها في صورة بشر، وأمره أن ينفخ بفيه في جيب درعها - أي ثوبها - فنزلت النفخة، فولجت في فرجها فكان منه الحمل بعيسى عليه السلام
[ وصدقت بكلمات ربها وكتبه ] أي وآمنت بشرائع الله القدسية، وكتبه السماوية


الصفحة التالية
Icon