[ الذي خلق الموت والحياة ] أي أوجد في الدنيا الحياة والموت، فأحيا من شاء وأمات من شاء، وهو الواحد القهار، وإنما قدم الموت لأنه أهيب في النفوس وأفزع، قال العلماء : ليس الموت فناء وانقطاعا بالكلية عن الحياة، وإنما هو انتقال من دار إلى دار، ولهذا ثبت في الصحيح أن الميت يسمع، ويرى، ويحس وهو في قبره، كما قال عليه السلام (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم ) الحديث وقال، :(والذي نفسى بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، لكنهم لا يجيبون ) فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقتها للجسد
[ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ] أي ليمتحنكم ويختبركم - أيها الناس - فيرى المحسن منكم من المسيء، قال القرطبي : أي يعاملكم معاملة المختبر، فإن الله تعالى عالم بالمطيع والعاصي أزلا
[ وهو العزيز ] أي الغالب في انتقامه ممن عصاه
[ الغفور ] لذنوب من تاب وأناب إليه
[ الذي خلق سبع سموات طباقا ] أي خلق سبع سموات متطابقة، بعضها فوق بعض، كل سماء كالقبة للأخري
[ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ] أي لست ترى أيها السامع في خلق الرحمن البديع من نقص أو خلل، أو اختلاف أو تنافر، بل هى في غاية الإحكام والإتقان، وإنما قال [ في خلق الرحمن ] ولم يقل " فيهن " تعظيما لخلقهن، وتنبيها على باهر قدرة الله
[ فارجع البصر هل ترى من فطور ] ؟ أي فكرر النظر في السموات، وردده في خلقهن المحكم، هل ترى من شقوق وصدوع ؟
[ ثم ارجع البصر كرتين ] أي ثم ردد النظر مرة بعد أخرى، وانظر بعين الاعتبار في هذه السموات العجيبة، مرة بعد مرة
[ ينقلب إليك البصر خاسئا ] أي يرجع إليك بصرك خاشعا ذليلا، لم ير ما تريد
[ وهو حسير ] أي وهو كليل متعب، قد بلغ الغاية في الإعياء، قال الإمام الفخر : المعنى إنك إذا كررت نظرك لم يرجع إليك بصرك، بما طلبته من وجود الخلل والعيب، بل رجع خاسئا مبعدا لم ير ما يهوى مع الكلل والإعياء وقال القرطبى : أي ردد طرفك وقلب البصر في السماء [ كرتين ] أي مرة بعد أخرى، يرجع إليك البصر خاشعا صاغرا، متباعدا عن أن يرى شيئا من ذلك العيب والخلل، وإنما أمر بالنظر كرتين، لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه، ما لم ينظر إليه مرة أخرى، والمراد بالكرتين التكثير بدليل قوله [ ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ] وهو دليل على كثرة النظر.. ثم بين تعالى ما زين به السماء من النجوم الزاهرة، والكواكب الساطعة، فقال سبحانه
[ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ] اللام لام القسم و[ قد ] للتحقيق، والمعنى : والله لقد زينا السماء القريبة منكم أيها الناس، بكواكب مضيئة ساطعة، هي السماء الأولى أقرب السموات إلى الأرض، قال المفسرون : سميت الكواكب مصابيح لإضاءتها بالليل إضاءة السراج
[ وجعلناها رجوما للشياطين ] أي وجعلنا لها فائدة أخرى وهي رجم أعدائكم الشياطين، الذين يسترقون السمع، قال قتادة : خلق الله تعالى النجوم لثلاث : زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامة يهتدى بها في البر والبحر وقال الخازن : فإن قيل : كيف تكون زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وكونها زينة يقتضي بقاءها، وكونها رجوما يقتضي زوالها، فكيف الجمع بين هاتين الحالتين ؟ فالجواب أنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب، بل يجوز أن تنفصل من الكواكب شعلة، وترمى الشياطين بتلك الشعلة وهي الشهب، ومثلها كمثل قبس يؤخذ من النار وهي على حالها، أقول : ويؤيده قوله تعالى [ إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ] فعلى هذا، الكواكب لا يرجم بها، وإنما الرجم بالشهب