[ وذكر الله كثيرا ] أي وأكثر من ذكر ربه، بلسانه وقلبه، قال ابن كثير : أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبى (ص) في صبره ومصابرته، ومجاهدته ومرابطته، ولهذا قال للذين تضجروا وتزلزلوا، واضطربوا يوم الأحزاب [ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ] والمعنى : هلا اقتديتم وتأسيتم بشمائله (ص) ! ! ثم حكى تعالى موقف المؤمنين الصادقين في غزوة الأحزاب أثناء رؤيتهم جنود قريش ومن تحزب معهم، وما صدر عن المؤمنين من إخلاص ويقين، تظهر بوضوح روح الإيمان والتضحية، فقال سبحانه :
[ ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ] أي ولما رأى المؤمنون الكفار قادمين نحوهم، وقد أحاطوا بهم من كل جانب، إحاطة السوار بالمعصم، قالوا : هذا ما وعدنا به الله ورسوله، من المحنة والابتلاء، ثم النصر على الأعداء
[ وصدق الله ورسوله ] أى صدق الله في وعده، ورسوله فيما بشرنا به، قال المفسرون : لما كان المسلمون يحفرون الخندق اعترضتهم صخرة عظيمة، عجزوا عن تكسيرها، فأخبروا الرسول (ص) بها فجاء وأخذ المعول وضربها ثلاث ضربات، أضأءت له منها مدائن كسرى، وقصور الروم، فقال أبشروا بالنصر، فلما أقبلت جموع المشركين وراؤهم، قالوا :[ هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ]
[ وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ] أي وما زادهم ما رأوه من كثرة جند الأحزاب، ومن شدة الضيق والحصار، إلا إيمانا قويا عميقا بالله، واستسلاما وانقيادا لأوامره
[ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ] أي ولقد كان من أولئك المؤمنين رجال صادقون، نذروا أنهم إذا أدركوا حربا مع رسول الله (ص) ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا
[ فمنهم من قضى نحبه ] أي فمنهم من وقى بنذره وعهده، حتى استشهد في سبيل الله كأنس بن النضر، وحمزة
[ ومنهم من ينتظر ] أي ومنهم من ينتظر الشهادة في سبيل الله
[ وما بدلوا تبديلا ] أي وما غيروا عهدهم الذي عاهدوا عليه ربهم أبدا
[ ليجزي الله الصادقين بصدقهم ] أي ليجزي الله الصادقين بسبب صدقهم وحسن صنيعهم، أحسن الجزاء فى الآخرة
[ ويعذب المنافقين ان شاء أو يتوب عليهم ] أي ويعذب المنافقين الناقضين للعهود، بأن يميتهم على النفاق فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم
[ أن الله كان غفورا رحيما ] أي واسع المغفرة رحيما بالعباد، قال ابن كثير : ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى هي الغالبة لغضبه، ختم بها الآية الكريمة
[ ورد الله الذين كفروا بغيظهم ] أي ورد الله الأحزاب، الذين تألبوا على غزو المدينة، خائبين خاسرين، مغيظين محنقين، لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا
[ لم ينالوا خيرا ] أي لم ينالوا أي خير، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل قد اكتسبوا الآثام، في مبارزة وعداء الرسول عليه السلام، وهمهم بقتله
[ وكفى الله المؤمنين القتال ] أي كفاهم شر أعدائهم، بأن أرسل عليهم الريح والملائكة، حتى ولوا الأدبار منهزمين
[ وكان الله قويا عزيزا ] أي قادرا على الانتقام من أعدائه، عزيزا غالبا لا يقهر، ولهذا كان عليه السلام حين دخل مكة فاتحا منتصرا يقول :(لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده )
[ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ] أي وأنزل اليهود - وهم بنو قريظة - الذين أعانوا المشركين، ونقضوا عهدهم، وانقلبوا على النبي وأصحابه، أنزلهم من حصونهم وقلاعهم، التي كانوا يتحضنون فيها