[ فلما رأوها قالوا إنا لضالون ] أي فلما رأوا حديقتهم سوداء محترقة، قد استحالت من النضارة والبهجة، إلى السواد والظلمة، قالوا : لقد ضللنا الطريق إليها وليست هذه حديقتنا ! ! قال أبو حيان : كان قولهم ذلك في أول وصولهم إليها، أنكروا أنها هي، واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق، ثم وضح لهم أنها هي، وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها فقالوا عند ذلك
[ بل نحن محرومون ] أي لسنا مخطئين للطريق، بل نحن محرومون، حرمنا ثمرها وخيرها بجنايتنا على أنفسنا
[ قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ] ؟ أي قال أعقلهم وأفضلهم رأيا : هلا تسبحون الله فتقولون " سبحان الله " أو " إن شاء الله " ! ! قال فى البحر : نبههم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من التسبيح، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم، لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين، واقتفوا سنة أبيهم في ذلك، فلما غفلوا عن ذكر الله، وعزموا على منع المساكين ابتلاهم الله وقال الرازي : أن القوم حين عزموا على منع الزكاة، واغتروا بمالهم وقوتهم، قال الأوسط لهم : توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذاب، فلما رأوا حالة البستان ذكرهم بالكلام الأول، فاشتغلوا بالتوبة ولكن بعد خراب البصرة
[ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ] أي فقالوا حينئذ : تنزه الله ربنا عن الظلم فيما فعل، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا في منعنا حق المساكين
[ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ] أي يلوم بعضهم بعضا، يقول هذا : أنت أشرت علينا بهذا الرأى، ويقول ذاك : بل أنت، ويقول آخر : آنت الذي خوفتنا الفقر ورغبتنا في جمع المال، فهذا هو التلاوم
[ قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ] أي قالوا : يا هلاكنا وتعاستنا إن لم يغفر لنا ربنا، فقد كنا عاصين وباغين في منعنا الفقراء، وعدم التوكل على الله، قال الرازي : والمراد أنهم استعظموا جرمهم
[ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ] أي لعل الله يعطينا أفضل منها، بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا
[ إنا إلى ربنا راغبون ] أي فنحن راجون لعفوه، طالبون لإحسانه وفضله.. ساق تعالى هذه القصة، ليعلمنا أن مصير البخيل ومانع الزكاة إلى التلف، وأنه يضن ببعض ماله في سبيل الله، فيهلك كل ماله مصحوبا بغضب الله، ولذلك عقب تعالى بعد ذكر هذه القصة بقوله
[ كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ] أي مثل هذا العذاب الذي نزل بأهل الجنة ينزل بقريش، ولعذاب الآخرة أعظم وأشد من عذاب الدنيا، لو كان عندهم فهم وعلم، قال ابن عباس : هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر، وحلفوا ألا يرجعوا إلى مكة، حتى يقتلوا محمدا (ص) وأصحابه، ويشربوا الخمور، وتضرب القينات - المغنيات - على رءوسهم، فأخلف الله ظنهم، فقتلوا وأسروا وانهزموا، كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام فخابوا.. ثم أخبر تعالى عن حال المؤمنين المتقين، بعد أن ذكر حال المجرمين من كفار مكة، فقال سبحانه
[ إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ] أي إن للمتقين في الآخرة حدائق وبساتين، ليس فيها إلا النعيم الخالص، الذي لا ثوبه كدر ولا منغص، بخلاف حال الدنيا
[ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ] ؟ الاستفهام للإنكار والتوبيخ، أي أفنساوي بين المطيع والعاصى، والمحسن والمجرم ؟
[ ما لكم كيف تحكمون ] ؟ تعجب منهم، حيث أنهم يسوون المطيع بالعاصى، والمؤمن بالكافر، فإن مثل هذا لا يصدر عن عاقل
[ أم لكم كتاب فيه تدرسون ] ؟ أي هل عندكم كتاب منزل من السماء تقرءون وتدرسون فيه