[ إن لكم فيه لما تخيرون ] هذه الجملة مفعول لتدرسون أي تدرسون في هذا الكتاب أن لكم ما تشتهون وتطلبون ؟ وهذا توبيخ آخر للمشركين فيما كانوا يزعمونه من الباطل، حيث قالوا : إن كان ثمة بعث وجزاء، فسنعطى خيرا من المؤمنين، كما أعطينا في الدنيا، قال الطبري : وهذا توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة
[ أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة ] أي هل لكم عهود ومواثيق مؤكدة من جهتنا ثابتة إلى يوم القيامة ؟
[ إن لكم لما تحكمون ] هذا جوابه أي إن لكم الذي تريدونه وتحكمون به ؟ قال ابن كثير : المعنى أمعكم عهود ومواثيق مؤكدة أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون
[ سلهم أيهم بذلك زعيم ] أي سل يا محمد هؤلاء المكابرين، أيهم كفيل وضامن بهذا الذي يزعمون ؟ وفيه نوع من السخرية والتهكم بهم، حيث يحكمون بأمور خارجة عن العقول، يرفضها المنطق وتأباها العدالة
[ أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ] أي أم لهم شركاء وأرباب يكفلون لهم بذلك، فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في دعواهم، قال في التسهيل : وهذا تعجيز للكفار، والمراد : إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء، فأتوا بهم واحضروهم حتى نري حالهم.. ولما أبطل مزاعمهم وسفه أحلامهم، شرع في بيان أهوال الآخرة وشدائدها فقال
[ يوم يكشف عن ساق ] أي اذكر يا محمد لقومك ذلك اليوم العصيب، الذي ينكشف فيه عن أمر فظيع شديد، في غاية الهول والشدة، قال ابن عباس : هو يوم القيامة يوم كرب وشدة وقال القرطبي : والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة كقول الراجز : قد كشفت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
[ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ] أي ويدعى الكفار للسجود لرب العالمين فلا يستطيعون، لأن ظهر أحدهم يصبح طبقا واحدا، وفي الحديث (يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا)
[ خاشعة أبصارهم ] أي ذليلة متواضعة أبصارهم، لا يستطيعون رفعها
[ ترهقهم ذلة ] أي تغشاهم وتلحقهم الذلة والهوان
[ وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ] أي والحال أنهم كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود، وهم أصحاء الجسم معافون فيأبون، قال الإمام الفخر : لا يدعون إلى السجود تعبدا وتكليفا، ولكن توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا، ثم إنه تعالى يسلب عنهم القدرة على السجود ويحول بينهم وبين الاستطاعة، حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا فيه، حين دعوا إليه في الدنيا وهم سالمو الأطراف والمفاصل
[ فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث ] أي اتركني يا محمد ومن يكذب بهذا القرآن لأكفيك شره، وأنتقم لك منه ! ! وهذا منتهى الوعيد
[ سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ] أي سنأخذهم بطريق الاستدراج بالنعم، إلى الهلاك والدمار، من حيث لا يشعرون، قال الحسن : كم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه قال الرازي : الاستدراج أن يستنزله إليه درجة درجة، حتى يورطه فيه، فكلما أذنبوا ذنبا، جدد الله لهم نعمة، وأنساهم الاستغفار، فالاستدراج إنما حصل لهم من الإنعام عليهم، لأنهم يحسبونه تفضيلا لهم على المؤمنين، وهو في الحقيقة سبب لهلاكهم
[ وأملى لهم ] أي أمهلهم وأطيل في أعمارهم ليزدادوا إثما