[ وما أدراك ما الحاقة ] وما أعلمك يا محمد ما هي القيامة ؟ إنك لا تعلمها إذ لم تعاينها، ولم تر ما فيها من الأهوال، فإنها من العظم والشدة، بحيث لا يحيط بها وصف ولا خيال، وهذا على طريقة العرب، فإنهم إذا أرادوا تشويق المخاطب لأمر أتوا بصيغة الاستفهام، يقولون : أتدري ماذا حدث ؟ والآية من هذا القبيل زيادة في التعظيم والتهويل، كأنه قال : إنها شيء مريع، وخطب فظيع.. ثم بعد أن عظم أمرها وفخم شأنها، ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيرا لكفار مكة وتخويفا لهم، فقال سبحانه
[ كذبت ثمود وعاد بالقارعة ] أي كذب قوم صالح، وقوم هود بالقيامة، التي تقرع القلوب بأهوالها
[ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ] أي فأما ثمود - قوم صالح - فأهلكوا بالصيحة المدمرة، التى جاوزت الحد في الشدة، قال قتادة : هي الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة
[ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ] أي وأما عاد - قوم هود - فأهلكوا بالريح العاصفة ذات الصوت الشديد وهي الدبور، وفى الحديث (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)
[ عاتية ] أي متجاوزة الحد فى الهبوب والبرودة، كأنها عتت على خزائها فلم يتمكنوا من ضبطها، قال ابن عباس : ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيال، ولا أنزل قطرة قط إلا بمكيال، إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ [ إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ] وأن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ [ بريح صرصر عاتية ]
[ سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ] أي سلطها الله عليهم سبع ليالى وثمانية أيام متتابعة، لا تفتر ولا تنقطع
[ فترى القوم فيها صرعى ] أي فترى أيها المخاطب القوم في منازلهم موتى، لا حراك بهم
[ كأنهم أعجاز نخل خاوية ] أي كأنهم أصول نخل متآكلة الأجواف، قال المفسرون : كانت الريح تقطع رءوسهم كما تقطع رءوس النخل، وتدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم حتى تصرعهم، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف
[ فهل ترى لهم من باقية ] ؟ أي فهل ترى أحدا من بقاياهم ؟ أو تجد لهم أثرا ؟ لقد هلكوا عن آخرهم، كقوله تعالى [ فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ]
[ وجاء فرعون ومن قبله ] أي وجاء فرعون الجبار، ومن تقدمه من الأمم الطاغية التي كفرت برسلها
[ والمؤتفكات ] أي والأمم الذين انقلبت بهم ديارهم - قرى قوم لوط - حيث جعل الله عاليها سافلها، قال الصاوي :[ المؤتفكات ] أي المنقلبات وهي قرى قوم لوط، التى اقتلعها جبريل ورفعها على جناحه قرب السماء ثم قلبها، وكانت خمس قرى
[ بالخاطئة ] أي بالفعلة الخاطئة المنكرة، وهي الكفر والعصيان
[ فعصوا رسول ربهم ] أي فعصى فرعون رسول الله موسى، وعصى قوم لوط رسولهم لوطا
[ فأخذهم أخذة رابية ] أي فأخذهم الله أخذة زائدة في الشدة، على عقوبات من سبقهم، كما أن جرائمهم زادت في القبح والشناعة على سائر الكفار
[ إنا لما طغا الماء حملناكم فى الجارية ] أي لما تجاوز الماء حده حتى على كل شيء، وارتفع فوق الجبال، حملناكم في السفينة
[ لنجعلها لكم تذكرة ] أي لنجعل تلك الحادثة عظة للناس وعبرة، تدل على انتقام الله ممن كذب رسله
[ وتعيها أذن واعية ] أي وتحفظها وتذكرها أذن واعية للمواعظ، تنتفع بما تسمع، قال القرطبي : والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول (ص)، ولهذا ختم الآية بقوله [ وتعيها اذن واعية ] قال قتادة : الواعية هي التي عقلت عن الله، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل.. ولما ذكر قصص المكذبين، أتبعه بذكر أهوال القيامة وشدائدها، فقال سبحانه