عن ابن عباس أن النضر بن الحارث قال حين خوفهم رسول الله (ص) من عذاب الله [ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ] فأنزل الله [ سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ].
التفسير :
[ سأل سائل بعذاب واقع ] أي دعا داع من كفار مكة لنفسه ولقومه، بنزول عذاب واقع لا محالة، قال المفسرون : السائل هو " النضر بن الحارث " من صناديد قريش وطواغيتها، لما خوفهم رسول الله عذاب الله قال استهزاء [ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ] فأهلكه الله يوم بدر، ومات شر ميتة، ونزلت الآية بذمه
[ للكافرين ] أي دعا بهذا العذاب على الكافرين
[ ليس له دافع ] أي لا راد له إذا أراد الله وقوعه، وهو نازل بهم لا محالة، سواء طلبوه أو لم يطلبوه، وإذا نزل العذاب، فلن يرفع أو يدفع
[ من الله ذى المعارج ] أي هو صادر من الله العظيم الجليل، صاحب المصاعد التى تصعد بها الملائكة، وتنزل بأمره ووحيه، ثم فصل ذلك بقوله
[ تعرج الملائكة والروح إليه ] أي تصعد الملائكة الأبرار وجبريل الأمين الذي خصه الله بالوحى إلى الله عز وجل (( إنما أفرد جبريل بالذكر، وإن كان من جملة الملائكة لشرفه وفضل منزلته، وهو المسمى بالروح لقوله تعالى :﴿نزل به الروح الأمين ﴾ )).
[ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ] أي في يوم طوله خمسون ألف سنة من سني الدنيا، قال ابن عباس : هو يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة، ثم يدخلون النار للاستقرار قال المفسرون : والجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في سورة السجدة [ في يوم كان مقداره ألف سنة ] أن القيامة مواقف ومواطن، فيها خمسون موطنا، كل موطن ألف سنة، وأن هذه المدة الطويلة تخف على المؤمن، حتى تكون أخف عليه من صلاة مكتوبة (( أخرج الامام احمد عن أبي سعيد الخدري قال : قيل يا رسول الله ما أطول هذا اليوم ! فقال (ص) :" والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " )) والصحيح الراجح من الأقوال، أن آية الألف تتحدث عن " اليوم الإلهى " فاليوم عند الله كألف سنة عندنا، وآية الخمسين ألفا تتحدث عن " يوم القيامة " فلا تعارض بين الآيتين
[ فاصبر صبرا جميلا ] آي فاصبر يا محمد على استهزاء قومك وأذاهم، ولا تضجر، فإن الله ناصرك عليهم، وهذا تسلية له عليه الصلاة والسلام، لأن استعجال العذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله (ص)، فأمره الله بالصبر، قال القرطبي : والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه، ولا شكوى لغير الله
[ إنهم يرونه بعيدا ] أي إن هؤلاء المستهزئين يستبعدون العذاب ويعتقدون أنه غير نازل، لإنكارهم للبعث والحساب
[ ونراه قريبا ] أي ونحن نراه قريبا لأن كل ما هو آت قريب.. ثم أخبر تعالى عن هول العذاب وشدته وعن أهوال يوم القيامة، فقال سبحانه
[ يوم تكون السماء كالمهل ] أي تكون السماء سائلة غير متماسكة، كالرصاص المذاب، قال ابن عباس : كدردى الزيت أي كعكر الزيت
[ وتكون الجبال كالعهن ] أي وتكون الجبال متناثرة متطايرة، كالصوف المنفوش إذا طيرته الريح، قال القرطبي : العهن : الصوف الأحمر أو ذو الألوان، شبه الجبال به في تلونها ألوانا، وأول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا، ثم عهنا منفوشا، ثم هباء منثورا.. هذه حال السماء والأرض في ذلك اليوم المفزع، أما حال الخلائق فهى كما قال تعالى
[ ولا يسأل حميم حميما ] أي لا يسأل صديق صديقه، ولا قريب قريبه عن شأنه، لشغل كل إنسان بنفسه، وذلك لشدة ما يحيط بهم، من الهول والفزع


الصفحة التالية
Icon