[ يبصرونهم ] آي يرونهم ويعرفونهم، حتى يرى الرجل أباه وأخاه، وقرابته وعشيرته، فلا يسأله ولا يكلمه بل يفر منه، كقوله تعالى [ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه ] قال ابن عباس :[ يبصرونهم ] اي يعرف بعضهم بعضا ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض
[ يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه ] أي يتمنى الكافر - مرتكب القبائح والجرائم - لو يفدى نفسه من عذاب الله، بأعز من كان عليه في الدنيا، من ابن، وزوجة، وأخ
[ وفصيلته التى تئويه ] أي وعشيرته التي كانت تضمه إليها، ويتكل في نوائبه عليها، وليس هذا فحسب، بل يتمنى لو يفتدي بجميع أهل الأرض
[ ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ] أي وبجميع من في الأرض من البشر وغيرهم، ثم ينجو من عذاب الله، ولكن هيهات أن ينجو المجرم من العذاب، أو ينقذه ذلك من شدة الكرب، وفادح الخطب، قال الإمام الفخر : و[ ثم ] لاستبعاد الإنجاء يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده، وبذلهم فى فداء نفسه، ثم ينجيه ذلك، وهيهات أن ينجيه
[ كلا أنها لظى ] [ كلا ] أداة زجر وتعنيف أي لينزجر هذا الكافر الأليم، وليرتدع عن هذه الأماني، فليس ينجيه من عذاب الله فداء، بل أمامه جهنم تتلظى نيرانها وتلتهب
[ نزاعة للشوى ] أي تنزع بشدة حرها جلدة الرأس من الإنسان، كلما قلعت عادت كما كانت زيادة في التنكيل والعذاب، وخصها بالذكر لأنها أشد الجسم حساسية وتأثرا بالنار،
[ تدعو من أدبر وتولى ] أي تنادي جهنم وتهتف بمن كذب بالرحمن، وأعرض عن الإيمان، قال ابن عباس : يدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح، تقول : إلى يا كافر، إلى يا منافق، ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب
[ وجمع فأوعى ] أي وتدعو من جمع المال وخبأه، وكنزه في الخزائن والصناديق، ولم يؤد منه حق الله وحق المساكين، قال المفسرون : والآية وعيد شديد لمن يبخل بالمال، ويحرص على جمعه، فلا ينفقه في سبيل الخير، ولا يخرج منه حق الله وحق المسكين، وقد كان الحسن البصري يقول : يا ابن آدم سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا - أي جمعتها - من حلال وحرام ! ! ثم أخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، وما جبل عليه من الحرص الشديد على جمع حطام الدنيا، فقال سبحانه
[ إن الإنسان خلق هلوعا ] اي إن الإنسان جبل على الضجر، لا يصبر على بلاء، ولا يشكر على نعماء، قال المفسرون : الهلع : شدة الحرص وقلة الصبر، يقال : جاع فهلع، والمراد بالإنسان العموم بدليل الاستثناء منه، والاستثناء معيار العموم، ثم فسره تعالى بقوله
[ إذا مسه الشر جزوعا ] أي إذا نزل به مكروه، من فقر، أو مرض، أو خوف، كان مبالغا في الجزع مكثرا منه، واستولى عليه اليأس والقنوط
[ وإذا مسه الخير منوعا ] أي وإذا أصابه خير من غنى، وصحة، وسعة رزق، كان مبالغا في المنع والإمساك، فهو إذا أصابه الفقر لم يصبر، وإذا أغناه الله لم ينفق، قال ابن كيسان : خلق الله الإنسان يحب ما يسره، ويهرب مما يكرهه، ثم تعبده بإنفاق ما يحب، والصبر على ما يكره
[ إلا المصلين ] استثناهم من أفراد البشر الموصوفين بالهلع، لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شرها ومصائبها، ولا يبخلون بخيرها
[ الذين هم على صلاتهم دائمون ] اي مواظبون على أداء الصلاة، لا يشغلهم عنها شاغل، لأن نفوسهم صفت من أكدار الحياة، بتعرضهم لنفحات الله
[ والذين فى أموالهم حق معلوم ] أي في أموالهم نصيب معين، فرضه الله عليهم وهو الزكاة
[ للسائل والمحروم ] أي للفقير الذي يسأل ويتكفف الناس، والمحروم الذي يتعفف عن السؤال، فيظن أنه غنى فيحرم كقوله تعالى [ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ]