[ والذين يصدقون بيوم الدين ] أي يؤمنون بيوم الحساب والجزاء، يصدقون بمجيئه تصديقا جازما، لا يشوبه شك ولا ارتياب، فيستعدون له بالأعمال الصالحة
[ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ] أي خائفون على أنفسهم من عذاب الله، يرجون الثواب ويخافون العقاب
[ إن عذاب ربهم غير مأمون ] أي لأن عذاب الله لا ينبغى أن يأمنه إنسان، إلا من أمنه الرحمن، والأمور بخواتيمها.. إن هؤلاء المصدقين المشفقين، قلما تغويهم الدنيا، أو يبطرهم نعيمها، أو يجزعون على ما فاتهم من حطامها، فسواء عليهم أخسروا حظوظ الدنيا أم غنموا، إذ إن لديهم من الفكر فى جلال ربهم، وذكر معادهم، ما يشغلهم عن الجزع إذا مسهم الشر، ويربأ بهم عن المنع إذا مسهم الخير! ! ثم ذكر تعالى الفريق الخامس من الموفقين للخيرات وفعل الطاعات، فقال سبحانه :
[ والذين هم لفروجهم حافظون ] أي هم أعفاء لا يرتكبون المحارم، ولا يتلوثون بالمآثم، قد صانوا أنفسهم عن الزنى والفواحش
[ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ] أي يقتصرون على ما أحل الله لهم من الزوجات المنكوحات، والرقيقات المملوكات
[ فإنهم غير ملومين ] أي فإنهم غير مؤاخذين، لأن وضع الشهوة فيما أباح الله من الزوجات والمملوكات، حلال يؤجر عليه الإنسان، لما فيه من تكثير النسل والذرية
[ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ] أي فمن طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات، فقد تعدى حدود الله، وعرض نفسه لعذاب الله، قال الطبري : من التمس لفرجه منكحا سوى زوجته أو ملك يمينه، ففاعلوا ذلك هم العادون، الذين تعدوا حدود ما أحد الله لهم، إلى ما حرمه عليهم، فهم الملومون (( ومن هذه الآية استدل جمهور الفقهاء على حرمة (زواج المتعة) لأن المنكوحة لمتعة ليست بزوجة، ولا بملك يمين، فيكون الزواج بها محرما )).
[ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ] أي يؤدون الأمانات، ويحفظون العهود، فإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا
[ والذين هم بشهاداتهم قائمون ] أي يشهدون بالحق على القريب والبعيد، ولا يكتمون الشهادة ولا يغيرونها، بل يؤدونها على وجهها الكامل، بحيث تصان بها حقوق الناس ومصالحهم، وخصها بالذكر مع اندراجها في الأمانات، تنبيها على فضلها، لأن في إقامتها إحياء للحقوق، وفي تركها تضييعا للحقوق
[ والذين هم على صلاتهم يحافظون ] هذا هو الوصف الثامن من أوصاف المؤمنين، الذين وفقهم الله إلى تطهير نفوسهم، من خلق الهلع المذموم، أي يراعون شرائط الصلاة ويلتزمون آدابها، ولا سيما الخشوع والتدبر، ومراقبة الله فيها، وإلا كانت حركات صورية، لا يجنى العبد ثمرتها، فإن فائدة الصلاة أن تكف عن المحارم كما قال سبحانه :[ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ] ولما كانت الصلاة عمود الإسلام، بولغ في التوكيد فيها، فذكرت في أولى الخصال الحميدة وفي آخرها، ليعلم مرتبتها في الأركان، التي بنى عليها الإسلام، قال القرطبي : ذكر تعالى من أوصافهم في البدء [ الذين هم على صلاتهم دائمون ] ثم قال في الختم [ والذين هم على صلاتهم يحافظون ] والدوام غير المحافظة، فدوامهم عليها أن يحافظوا على أدائها، لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها، ويقيموا أركانها، ويكملوها بسننها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم، فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات، والمحافظة يرجع إلى أحوالها (( قال ابن كثير : افتتح تعالى الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها بدءا ونهاية )) وبعد أن ذكر تعالى أوصاف المؤمنين المتقين، ذكر مآلهم وعاقبتهم، فقال سبحانه


الصفحة التالية
Icon