[ أولئك فى جنات مكرمون ] أي أولئك المتصفون بتلك الأوصاف الجليلة، والمناقب الرفيعة، مستقرون في جنات النعيم، التي أكرمهم الله فيها بأنواع الكرامات، مع الإنعام والتكريم بأنواع الملاذ والمشتهيات، لاتصافهم بمكارم الأخلاق
[ فما للذين كفروا قبلك مهطعين ] ؟ أي ما لهؤلاء الكفرة المجرمين، مسرعين نحوك يا محمد، مادين أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك ؟ قال المفسرون : كان المشركون يجتمعون حول النبى (ص)، حلقا حلقا، يسمعون كلامه ويستهزئون به وبأصحابه، ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة " كما يقول محمد - فلندخلنها قبلهم، فنزلت الآية
[ عن اليمين وعن الشمال عزين ] أي جالسين عن يمينك وعن شمالك فرقا فرقا، وجماعات جماعات، يتحدثون ويتعجبون ؟ قال أبو عبيدة : عزين أي جماعات جماعات فى تفرقة، ومنه حديث (ما لي أراكم عزين ؟ ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قلنا يا رسول الله : وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الاولي، ويتراصون في الصف )
[ أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم ] استفهام انكاري مع التقريع والتوبيخ أي أيطمع كل واحد من هؤلاء الكفار، أن يدخله الله جنات النعيم، وقد كذب خاتم المرسلين
[ كلا ] ردع وزجر أي ليس الأمر كما يطمعون، فإنهم لا يدخلونها أبدا، ثم قال تعالى :
[ إنا خلقناهم مما يعلمون ] أي خلقناهم من الأشياء المستقذرة، من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، فمن أين يتشرفون بدخول جنات النعيم قبل المؤمنين، وليس لهم فضل يستوجبون به دخول الجنة ؟ وإنما يستوجب دخول الجنة من أطاع الله، قال القرطبي : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم، فقال تعالى [ إنا خلقناهم مما يعلمون ] أي من القذر فلا يليق بهم هذا التكبر
[ فلا أقسم برب المشارق والمغارب ] أي فأقسم برب مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها
[ إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم ] أي قادرون على إهلاكهم، واستبدالهم بقوم أفضل منهم وأطوع لله
[ وما نحن بمسبوقين ] أى ولسنا بعاجزين عن ذلك
[ فذرهم يخوضوا ويلعبوا ] أي اتركهم يا محمد يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم، واشتغل أنت بما امرت به، وهو أمر على جهة الوعيد والتهديد للمشركين
[ حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ] أي حتى يلاقوا ذلك اليوم العصيب الرهيب، الذي لا ينفعهم فيه توبة ولا ندم
[ يوم يخرجون من الأجداث سراعا ] أي يوم يخرجون من القبور إلى أرض المحشر مسرعين
[ كأنهم إلى نصب يوفضون ] أي كأنهم يسعون ويستبقون إلى أصنامهم التي نصبوها ليعبدوها، شبه حالة إسراعهم إلى موقف الحساب، بحالة إسراعهم وتسابقهم في الدنيا، إلى آلهتهم ليعبدوها، وفي هذا التشبيه تهكم بهم، وتعريض بسخافة عقولهم، إذ عبدوا ما لا يستحق العبادة، وتركوا عبادة الواحد الأحد
[ خاشعة أبصارهم ] أي خاضعة منكسرة أبصارهم إلى الأرض، لا يرفعونها خجلا من الله
[ ترهقهم ذلة ] أي يغشاهم الذل والهوان من كل مكان، وعلى وجوههم آثار الذلة والانكسار
[ ذلك اليوم الذى كانوا يوعدون ] أي هذا هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا وكانوا يهزءون ويكذبون، فاليوم يرون عقابهم وجزاءهم ! !
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين [ بعيدا.. وقريبا ] وبين [ اليمين.. والشمال ] وبين [ المشارق والمغارب ].
٢ - جناس الاشتقاق [ سأل سائل ] وكذلك [ تعرج - المعارج ].
٣ - ذكر الخاص بعد العام تنبيها لفضله وتشريفا له [ تعرج الملائكة والروح ] الروح هو جبريل عليه السلام، ذكر أولا ضمن الملائكة، ثم ذكر مرة أخرى تعظيما له وتشريفا.


الصفحة التالية
Icon