[ في بضع سنين ] أي في فترة لا تتجاوز بضة أعوام، والبضع : ما بين الثلاث إلى التسع، قال المفسرون : كان بين فارس والروم حرب، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك رسول الله (ص) وأصحابه فشق ذلك عليهم، وفرح المشركون بذلك، لأن أهل فارس كانوا مجوسا، ولم يكن لهم كتاب، والروم أصحاب كتاب، فقال المشركون لأصحاب رسول الله (ص) : إنكم أهل كتاب، والروم أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس، على إخوانكم من الروم، فلنظهرن عليكم ! ! فقال أبو بكر : لا يقر الله أعينكم، فأنزل الله [ وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ] وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الحرب، وغلبت الروم فارس وهزمتهم، وفرح المسلمون بذلك، قال أبو السعود : وهذه الآيات من البينات الباهرة، والشاهدة بصحة النبوة، وكون القرآن من عند الله عز وجل، حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا العليم الخبير، ووقع كما أخبر، وقال البيضاوي : والآية من دلائل النبوة لأنها إخبارعن الغيب
[ لله الأمر من قبل ومن بعد ] أي لله عز وجل الأمر أولا وآخرا، من قبل الغلبة، ومن بعد ما يغلبون أعداءهم الفرس، فكل ذلك بأمر الله وإرادته، ليس شيء منهما إلا بقضائه، قال ابن الجوزي : المعنى إن غلبة الغالب، وخذلان المغلوب، بأمر الله وقضائه
[ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ] أي ويوم يهزم الروم الفرس، ويتغلبون عليهم، ويحل ما وعده الله من غلبتهم، يفرح المؤمنون بنصر الله لأهل الكتاب، على المجوس، لأن أهل الكتاب أقرب إلى المؤمنين من المجوس، وقد صادف ذلك اليوم يوم (غزوة بدر) قال ابن عباس : كان يوم بدر هزيمة عبدة الأوثان، وعبدة النيران
[ ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ] اي ينصر الله من يشاء من عباده، وهو العزيز بانتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه وأحبابه
[ وعد الله لا يخلف الله وعده ] أي ذلك وعد مؤكد، وعد الله به، فلا يمكن أن يتخلف، لأن وعده حق، وكلامه صدق
[ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ] أي لا يعلمون ذلك لجهلهم، وعدم تفكرهم
[ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ] أي يعلمون أمور الدنيا ومصالحها، وما يحتاجون إليه فيها من أمور الحياة، كالزراعة والتجارة والبناء ونحو ذلك، قال ابن عباس : يعلمون أمر معايشهم، متى يزرعون ؟ ومتى يحصدون ؟ وكيف يغرسون ؟ وكيف يبنون ؟
[ وهم عن الآخرة هم غافلون ] أي وهم عمى عن أمر الآخرة، ساهون غافلون عن التفكر فيها، والعمل لها، قال الإمام الفخر : ومعنى الآية أن عملهم منحصر في الدنيا، وهم مع ذلك لا يعلمون الدنيا كما هي، وإنما يعلمون ظاهرها، وهي ملاذها وملاعبها، ولا يعلمون باطنها، وهي مضارها ومتاعبها، ويعلمون وجودها الظاهر، ولا يعلمون فناءها، وهم عن الآخرة غافلون، وفي التعبير بقوله [ ظاهرا ] إشارة إلى أنهم عرفوا القشور، ولم يعرفوا اللباب، فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم
[ أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ] أي أولم يتفكروا في أنفسهم، ما خلق الله العظيم الجليل، هذه السموات والأرض عبثا ! ! وإنما خلقهما بالحكمة البالغة، لإقامة الحق لوقت ينتهيان إليه، وهو يوم القيامة ؟ قال القرطبي : وفي هذا تنبيه على الفناء، وعلى أن لكل مخلوق أجلا، وعلى ثواب المحسن وعقاب المسيء
[ وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ] أى وأكثر الناس منكرون جاحدون للبعث والجزاء
[ أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ] أي أولم يسافروا فينظروا مصارع الأمم قبلهم، كيف أهلكوا بتكذيبهم رسلهم فيعتبروا ! !
[ كانوا أشد منهم قوة ] أي كانوا أشد منهم أجسادا، وأكثر أموالا وأولادا


الصفحة التالية
Icon