[ وجعل القمر فيهن نورا ] أي وجعل القمر فى السماء الدنيا، منورا لوجه الأرض في ظلمة الليل، قال الإمام الفخر : القمر فى السماء الدنيا وليس فى السموات بأسرها، وهذا كما يقال : السلطان في العراق، ليس المراد أن ذاته حاصلة في كل أنحائها، بل إن ذاته فى حيز من جملة أنحاء العراق، فكذا ههنا وقال فى البحر : والقمر فى السماء الدنيا، وصح كون السموات ظرفا للقمر، لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأ المظروف، تقول زيد فى المدينة وهو فى جزء منها (( أقول : ليس ثمة نص صريح على أن القمر داخل السموات إلا هذا النص وقد عرفت تأويله، وإذا كان القمر أقرب الكواكب الى الأرض، وثبت بالنص القاطع أن الله تعالى جعل الكواكب زينة للسماء، وجعلها فى السماء الدنيا ﴿ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ فإنه لا يستبعد أن يصل الناس إلى القمر، لأنه دون السماء الأولى، كما وصلت إليه المركبة الفضائية في زماننا، وكما أثبت العلم الحديث إمكان ذلك، فليس ثمة محظور ديني على وصول الإنسان لبعض الكواكب، وأما الوصول الى السماء واختراقها فذلك أمر مستحيل ودونه خرط القتاد، لأن الله تعالى يقول :﴿وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ﴾ وفي عصرنا هذا تم وصول البشر إلى القمر، ولا مانع منه شرعا كما ذكرنا، لقرب القمر من الأرض، وما مثلهم الا كمثل الذي صعد إلى المأذنة، كم اقترب من السماء ؟ )).
[ وجعل الشمس سراجا ] أي وجعل الشمس مصباحا مضيئا يستضيء به أهل الدنيا كما يستضيء الناس بالسراج فى بيوتهم، ولما كان نور الشمس أشد، وأتم، وأكمل، فى الانتفاع من نور القمر، عبر عن الشمس بالسراج لأنه يضيء بنفسه، وعبر عن القمر بالنور لأنه يستمد نوره من غيره، ويؤيده ما تقرر في علم الفلك من أن نور الشمس ذاتي فيها، ونور القمر عرضي مكتسب من نورها، فسبحان من أحاط بكل شيء علما
[ والله أنبتكم من الأرض نباتا ] بعد أن ذكر دليل الآفاق، ذكر هنا دليل الأنفس، وذلك لأن في ذكر هذه الأمور، دلالة واضحة على عظمة الله، وقدرته وباهر مصنوعاته، والمعنى : خلقكم وأنشأكم من الأرض كما يخرج النبات، وسلكم من تراب الأرض كما يسلك النبات منها، قال المفسرون : لما كان إخراجهم وإنشاؤهم إنما يتم بتناولهم عناصر الغذاء الحيوانية والنباتية المستمدة من الأرض، كانوا من هذه الجهة مشابهين للنباتات التى تنمو بامتصاص غذائها من الأرض، فلذا سمى خلقهم وإنشاءهم انباتا، أو يكون ذلك إشارة إلى خلق آدم حيث خلق من تراب الأرض، ثم جاءت منه ذريته، فصح نسبتهم إلى أنهم أنبتوا من الأرض
[ ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ] أي يرجعكم إلى الأرض بعد موتكم فتدفنون فيها، ثم يخرجكم منها يوم البعث والحشر للحساب والجزاء، وأكده بالمصدر [ إخراجا ] لبيان أن ذلك واقع لا محالة، وهذه الآية كقوله تعالى [ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ]
[ والله جعل لكم الأرض بساطا ] أي جعلها فسيحة ممتدة ممهدة لكم، تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه، قال فى التسهيل : شبه الأرض بالبساط فى امتدادها واستقرار الناس عليها، وأخذ بعضهم من الآية أنها غير كروية، وفي ذلك نظر، فإن كرويتها أمر مقطوع به، وقال الألوسي : وليس فى الآية دلالة على أن الأرض مبسوطة غير كروية، لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحا، ثم إن اعتقاد الكروية أو عدمها ليس بلازم في الشريعة، لكن كرويتها كالأمر اليقينى، ومعنى جعلها بساطا أي تتقلبون عليها كالبساط


الصفحة التالية
Icon