[ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ] أي فقالوا لقومهم حين رجعوا إليهم : إنا سمعنا قرآنا عجيبا، مؤثرا في حسن نظمه، وبلاغة أسلوبه، وما حواه من بدع الحكم والعظات و[ عجبا ] مصدر وصف به للمبالغة، قال المفسرون : استمعوا إلى رسول الله (ص)، وهو يقرأ القرآن في صلاة الفجر، ولم يشعر بهم، ولا باستماعهم، وإنما اخبر به الرسول بواسطة الوحى بدليل قوله [ قل أوحى إلى ] (( هذا قول ابن عباس ويدل عليه ما رواه الترمذي عن ابن عباس أنه قال :" ما قرأ رسول الله (ص) على الجن ولا رآهم.. " )) ويؤيده ما قصه الله على نبيه فى سورة الأحقاف من خبرهم [ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ] والغرض من الإخبار عن استماع الجن، توبيخ وتقريع قريش والعرب، فى كونهم تباطئوا عن الإيمان، إذ كانت الجن خيرا منهم، وأسرع إلى الإيمان، فإنهم من حين ما سمعوا القرآن، تأثروا وآمنوا به، ورجعوا إلي قومهم منذرين، بخلاف العرب الذين نزل بلسانهم، فإنهم كذبوا واستهزءوا، وهم يعلمون أنه كلام معجز، وأن محمدا أمى لا يقرأ ولا يكتب، وشتان ما بين موقف الإنس والجن ! !
[ يهدى إلى الرشد فآمنا به ] أي يهدي هذا القرآن إلى الحق والرشاد والصواب فصدقنا به
[ ولن نشرك بربنا أحدا ] أي ولن نعود إلى ما كنا عليه من الشرك، ولن نجعل لله شريكا بعد اليوم من خلقه، قال الخازن : وفي الآية دليل على أن أولئك النفر كانوا مشركين
[ وأنه تعالى جد ربنا ] أي تعالت عظمة ربنا وجلاله
[ ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ] أي ليس له زوجة ولا ولد، لأن الزوجة تتخذ للحاجة، والولد للاستئناس، والله تعالى منزه عن النقائص
[ وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ] أي وأن الأحمق الجاهل فينا، كان ينسب إلى الله ما لا يليق بجلاله وقدسيته، ويقول قولا شططا بعيدا عن الحق وحد الاعتدال، قال مجاهد : السفيه هو إبليس دعاهم إلى عبادة غير الله
[ وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ] آي كنا نظن أن أحدا لن يكذب على الله تعالى، لا من الإنس ولا من الجن، في نسبة الصاحبة والولد إليه، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به، علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله فى ذلك قال الطبري : وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحدا يجترىء على الكذب على الله، لما سمعت القرآن، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله للزاعمين لله الصاحبة والولد، كانوا يحسبون أن إبليس صادق، فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في ذلك فسموه سفيها
[ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ] أي كان خلائق من الإنس يستجيرون برجال من الجن
[ فزادوهم رهقا ] أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بهم، إثما وطغيانا، وعتوا وضلالا، قال أبو السعود : كان الرجل إذا أمسى في واد قفر، وخاف على نفسه قال : اعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه -يريد الجن وكبيرهم -فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا : سدنا الإنس والجن، فزاد الرجال الجن تكبرا وعتوا، فذلك قوله [ فزادوهم رهقا ]
[ وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ] أي وأن كفار الإنس ظنوا كما ظننتم يا معشر الجن، أن الله لن يبعث أحدا بعد الموت، فقد أنكروا البعث كما أنكرتموه أنتم (( هذا هو الظاهر من سياق الآيات أنه من كلام الجن لقومهم وهو اختيار الطبري، واختار بعض المفسرين أنه من الوحي الذي أوحاه الله إلى رسوله وأن المعنى : وأن الجن كانوا ينكرون البعث كإنكاركم يا معشر قريش، فلما سمعوا القرآن اهتدوا، فهلا اهتديتم ؟ )).


الصفحة التالية
Icon