[ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ] يقول الجن : وأنا طلبنا بلوغ السماء لاستماع كلام أهلها، فوجدناها قد ملئت بالملائكة الكثيرين الذين يحرسونها، وبالشهب المحرقة التي تقذف من يحاول الاقتراب منها
[ وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ] أي كنا قبل بعثة محمد نطرق السماء، لنستمع إلى أخبارها ونلقيها إلى الكهان
[ فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ] أي فمن يحاول الآن استراق السمع، يجد شهابا ينتظره بالمرصاد، يحرقه ويهلكه
[ وأنا لا ندري أشر أريد بمن فى الأرض ] اي لا نعلم نحن معشر الجن ما الله فاعل بسكان الأرض، ولا نعلم هل امتلاء السماء بالحرس والشهب لعذاب يريد الله أن ينزله بأهل الأرض ؟
[ أم أراد بهم ربهم رشدا ] أي أم لخير يريده الله بهم، بأن يبعث فيهم رسولا مرشدا يرشدهم إلى الحق ؟ وهذا من أدب الجن حيث نسبوا الخير إلى الله، ولم ينسبوا الشر إليه فقالوا [ أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ] ؟ قال ابن كثير : وقد كانت الكواكب لا يرمى بها قبل ذلك، وهذا هو الذي حملهم على تطلب السبب، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فرأوا رسول الله (ص) يقرأ. بأصحابه في الصلاة، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء، فدنوا منه حرصا على سماع القرآن، ثم أسلموا
[ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ] أي منا قوم صالحون أبرار، عاملون بما يرضى الجبار، ومنا قوم ليسوا صلحاء، قال في التسهيل : وأرادوا بقولهم [ دون ذلك ] أي الذين ليس صلاحهم كاملا، أو الذين ليس لهم صلاح
[ كنا طرائق قددا ] أي كنا فرقا شتى، ومذاهب مختلفة، فمنا الصالح ومنا الطالح، وفينا التقى والشقى
[ وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ] أي علمنا وأيقنا أن الله قادر علينا، وأننا في قبضته وسلطانه أينما كنا، لن نعجزه بهرب، ولن نتفلت من عقابه إذا أراد بنا سوءا، قال القرطبي : أي علمنا بالاستدلال والتفكر في ايات الله، أننا في قبضته وسلطانه، لن نفوته بهرب ولا غيره.. ثم عادوا إلى شكر الله تعالى على نعمة الإيمان، واهتدائهم بسماع آيات القرآن، فقالوا
[ وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ] اي لما سمعنا القرآن العظيم، آمنا به وبمن أنزله، وصدقنا محمدا (ص)، فى رسالته
[ فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ] أي فمن يؤمن بالله تعالى، فلا يخشى نقصانا من حسناته، ولا ظلما بزيادة سيئاته، قال ابن عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته، ولا أن يزاد فى سيئاته، لأن البخس النقصان، والرهق العدوان
[ وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ] أي وإنا بعد سماعنا القرآن، منا من أمن، وصدق برسالة محمد (ص)، ومنا من جار عن الحق وكفر، قال المفسرون : يقال قسط الرجل إذا جار، وأقسط إذا عدل، واسم الفاعل من الأول قاسط، ومن الثاني مقسط، ومنه قوله تعالى [ أن الله يحب التوابين ويحب المقسطين ] وأما القاسط فهو الظالم الجائر
[ فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ] أي فمن اعتنق الإسلام واتبع الرسول عليه السلام، فأولئك الذين قصدوا الرشد، واهتدوا إلي طريق ا لسعادة والنجاة
[ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ] أي وأما الكافرون الجائرون عن طريق الحق والإيمان، فسيكونون وقودا لجهنم، توقد بهم كما توقد بكفار الإنس.. وإلى هنا انتهى كلام الجن، مما يدل على قوة إيمانهم، وصدقهم وإخلاصهم (( هذا هو قول الجمهور، وأن الكلام بعده من كلام الله تعالى الذي أوحاه لرسوله لا من كلام الجن، فالله يخبر أن البشر، لو استقاموا على شريعة الله، لأغدق عليهم الخيرات والنعم، ولكنهم كفروا فحرموا نعمة الله وفضله )) ثم قال تعالى مخبرا عن أهل مكة


الصفحة التالية
Icon