[ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ] أي هو جل وعلا الخالق المتصرف بتدبير شئون الخلق، وهو المالك لمشارق الأرض ومغاربها، لا إله غيره ولا رب سواه، فاعتمد عليه وفوض أمورك إليه
[ واصبر على ما يقولون ] أي اصبر على أذى هؤلاء السفهاء المكذبين، فيما يتقولونه عليك من قولهم :" ساحر، شاعر، مجنون " فإن الله ناصرك عليهم
[ واهجرهم هجرا جميلا ] أي اتركهم ولا تتعرض لهم بأذى ولا شتيمة، قال المفسرون : الهجر الجميل هو الذي لا عتاب معه، ولا يشوبه أذى ولا شتم، وقد كان هذا قبل أن يؤمر بالقتال، كما قال سبحانه [ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ] ثم أمر، بقتالهم وقتلهم، والحكمة فى هذا أن المؤمنين كانوا بمكة قلة مستضعفين، فأمروا بالصبر وبالمجاهدة الليلية، حتى يعدوا أنفسهم بهذه التربية الروحية على مناجزة الأعداء، وحتى يكثر عددهم، فيعفوا في وجه الطغيان، أما قبل الوصول إلى هذه المرحلة، فينبغى الصبر والاقتصار على الدعوة باللسان... ثم قال تعالى متوعدا ومتهددا صناديد قريش
[ وذرنى والمكذبين أولي النعمة ] أي دعني يا محمد وهؤلاء المكذبين بآياتى، أصحاب الغنى، والتنعم في الدنيا، والترف والبطر، فأنا أكفيك شرهم، قال الصاوي : المعنى اتركني انتقم منهم، ولا تشفع لهم، وهذا من مزيد التعظيم له (ص)، وإجلال قدره
[ ومهلهم قليلا ] أي وأمهلهم زمنا يسيرا حتى ينالوا العذاب الشديد، قال المفسرون : أمهلهم الله تعالى إلى أن هاجر رسول الله (ص) من مكة، فلما خرج منها سلط عليهم السنين المجدبة، وهو العذاب العام، ثم قتل صناديدهم ببدر وهو العذاب الخاص.. ثم وصف تعالى ما أعده لهم من العذاب في الآخرة، فقال سبحانه
[ إن لدينا أنكالا وجحيما ] أي إن لهم عندنا في الآخرة، قيودا عظيمة ثقيلة، يقيدون بها، ونارا مستعرة هي نار الجحيم يحرقون بها، قال في التسهيل : الأنكال جمع نكل وهو القيد من الحديد، وروي أنها قيود سود من نار
[ وطعاما ذا غصة ] أي وطعاما كريها غير سائغ، يغص به الإنسان وهو (الزقوم ) و(الضريع ) قال ابن عباس : شوك من نار يعترض في حلوقهم، لا يخرج ولا ينزل
[ وعذابا أليما ] أي وعذابا وجيعا مؤلما، زيادة على ما ذكر من النكال والأغلال.. ثم ذكر تعالى وقت هذا العذاب، فقال سبحانه
[ يوم ترجف الأرض والجبال ] أي يوم تتزلزل الأرض وتهتز بمن عليها، اهتزازا عنيفا شديدا هي وسائر الجبال، وذلك يوم القيامة
[ وكانت الجبال كثيبا مهيلا ] أي وتصبح الجبال على صلابتها، تلا من الرمل سائلا متناثرا، بعد أن كانت صلبة جامدة، قال ابن كثير : أي تصير الجبال ككثبان الرمال، بعد أن كانت حجارة صماء، ئم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شىء إلا ذهب كقوله تعالى [ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ] أي لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع.. ذكر تعالى العذاب المؤلم الذي أعده للمشركين، ومكانه وهو الجحيم، وآلاته وهي القيود وطعام الزقوم، ووقته وهو عند اضطراب الأرض وتزلزلها بمن عليها، وأراد بذلك تخويف المكذبين وتهديدهم، بأنه تعالى سيعاقبهم بذلك كله، إن بقوا مستمرين في تكذيبهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم أعقبه بتذكيرهم بما حل بالأمم الباغية، التي قد خلت من قبلهم، وكيف عصت وتمردت فأنزل الله بها من أمره ما أنزل، وضرب لهم المثل بفرعون الجبار، فقال سبحانه
[ إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ] أي بعثنا لكم يا أهل مكة (محمدا)(ص)شاهدا على أعمالكم، يشهد عليكم بما صدر منكم من الكفر والعصيان


الصفحة التالية
Icon