[ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ] أي كما بعثنا إلى ذلك الطاغية فرعون الجبار، رسولا من أولئك الرسل العظام أولي العزم " وهو (موسى بن عمران )، قال الخازن : دائما خص فرعون وموسى بالذكر من بين سائر الأمم والرسل، لأن محمدا (ص)، آذاه أهل مكة، واستخفوا به لأنه ولد فيهم، كما أن فرعون ازدرى بموسى وآذاه لأنه رباه،
[ فعصى فرعون الرسول ] أي فكذب فرعون بموسى ولم يؤمن به، وعصى أمره كما عصيتم يا معشر قريش محمدا (ص)، وكذبتم برسالته
[ فأخذناه أخذا وبيلا ] أي فأهلكناه إهلاكا شديدا فظيعا، خارجا عن حدود التصور، وذلك بإغراقه في البحر مع قومه، قال أبو السعود : وفى الآية التنبيه على أنه سيحيق بهؤلاء، ما حاق بأولئك لا محالة، و " الوبيل " الثقيل الغليظ، من قولهم : كلا وبيل أي وخيم لا يستمر لثقله.. وبعد أن ذكر الله أخذه لفرعون، وأن ملكه وجبروته لم يدفعا عنه العذاب، عاد فذكر كفار مكة بالقيامة وأهوالها، ليبين لهم أنهم لن يفلتوا من العذاب، كما لم يفلت فرعون مما حدث له، فقال سبحانه
[ فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ] أي كيف لا تحذرون وتخافون يا معشر قريش، عذاب يوم هائل إن كفرتم بالله، ولم تؤمنوا به ؟ وكيف تأمنون ذلك اليوم الرهيب الذي يشيب فيه الوليد من شدة هوله، وفظاعة أمره ؟ قال الطبري : وإنما تشيب الولدان من شدة هوله وكربه، وذلك حين يقول الله لآدم :(أخرج من ذريتك بعث النار، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فيشيب هنالك كل وليد).. ثم زاد فى وصفه وهوله فقال
[ السماء منفطر به ] أي السماء متشققة ومتصدعة من هول ذلك اليوم الرهيب العصيب
[ كان وعده مفعولا ] أي كان وعده تعالى بمجيء ذلك اليوم، واقعا لا محالة، لأن الله لا يخلف الميعاد
[ إن هذه تذكرة ] أي إن هذه الآيات المخوفة، التي فيها القوارع والزواجر، عظة وعبرة للناس
[ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ] أي فمن شاء من الغافلين الناسين، أن يستفيد من هذه التذكرة، قبل فوات الأوان، فليسلك طريقا موصلا إلى الرحمن، بالإيمان والطاعة، فالأسباب ميسرة، والسبل معبدة، قال المفسرون : والغرض الحض على الإيمان وطاعة الله عز وجل، وللترغيب في الأعمال الصالحة، لتبقى ذخرا فى الآخرة.. ثم عادت الآيات الكريمة للحديث عما بدأته في أول السورة من قيام الليل فقال تعالى
[ ان ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ] أي إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم مع أصحابك للتهجد والعبادة أقل من ثلثي الليل، وتارة تقومون نصفه، وتارة ثلثه كقوله تعالى [ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ] (( الآية نص صريح على أن قيام الليل كان واجبا على الرسول وعلى أصحابه، وقد كلفوا أن يقوموا ساعات من الليل طويلة، لا تقل على ثلثه، ولا تزيد على ثلثيه، فإن قيام الليل واحياءه بأنواع الطاعات المختلفة، من ذكر، وصلاة، وتلاوة قرآن، يقوي أبدانهم، ويزكى أرواحهم، ويعودهم الخشونة فى العيش، واجتناب ما عليه المترفون من الراحة والرخاوة والانغماس في الملذات، كلفهم الله تعالى بذلك ليعدهم إعدادا روحيا وجسميا للقيام بأعباء الدعوة الجديدة، وتحمل المشاق فى سبيل نشر هذا الدين، ويا لها من تربية كريمة مجيدة، تنشىء الرجال والأبطال ! !
[ والله يقدر الليل والنهار ] أي والله جل وعلا هو العالم بمقادير الليل والنهار، وأجزائهما وساعاتهما، لا يفوته علم ما تفعلون من قيام هذه الساعات، فى غلس الظلام ابتغاء رضوانه، وهو تعالى المدبر لأمر الليل والنهار


الصفحة التالية
Icon