[ علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ] أي علم تعالى أنكم لن تطيقوا قيام الليل كله ولا معظمه، فرحمكم ورجع عليكم بالتخفيف، قال الطبري : أي علم ربكم أن لن تطيقوا قيامه، فتاب عليكم بالتخفيف عنكم
[ فاقرءوا ما تيسر من القرآن ] أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، وإنما عبر عن الصلاة بالقراءة، لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة، قال ابن عباس : سقط عن أصحاب رسول الله (قيام الليل ) وصارت تطوعا، وبقي ذلك فرضا على رسول الله (ص).. ثم بين تعالى الحكمة في هذا التخفيف، فقال سبحانه
[ علم أن سيكون منكم مرضى ] أي علم تعالى أنه سيوجد فيكم، من يعجزه المرض عن قيام الليل، فخفف عنكم رحمة بكم
[ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ] أي وقوم آخرون يسافرون في البلاد للتجارة، يطلبون الرزق، وكسب المال الحلال
[ وآخرون يقاتلون فى سبيل الله ] أي وقوم آخرون وهم الغزاة المجاهدون، يجاهدون في سبيل الله، لإعلاء كلمته ونشر دينه، وكل من هذه الفرق الثلاثة، يشق عليهم قيام الليل، فلذلك خفف الله عنهم.. ذكر تعالى في هذه الآية، الأعذار التي تكون للعباد، تمنعهم من قيام الليل، فمنها المرض، ومنها السفر للتجارة، ومنها الجهاد في سبيل الله، ثم كرر الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن، تأكيدا للتخفيف عنهم، قال الإمام الفخر : أما المرضى فإنهم لا يمكنهم الاشتغال بالتهجد لمرضهم، وأما المسافرون والمجاهدون فهم مشغولون في النهار بالأعمال الشاقة، فلو لم يناموا في الليل، لتوالت أسباب المشقة عليهم، فلذلك خفف الله عنهم وصار وجوب التهجد منسوخا في حقهم
[ فاقرءوا ما تيسر منه ] أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، ، واقرءوا في صلاتكم ما تيسر من القرآن
[ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ] أي وأدوا الصلاة المفروضة على الوجه الأكمل، والزكاة الواجبة عليكم إلى مستحقيها، قال المفسرون : قلما يذكر الأمر بالصلاة فى القرآن، إلا ويقرن معه الأمر بالزكاة، فإن الصلاة عماد الدين، وهي صلة بين العبد وربه، والزكاة كذلك عماد الدين، وهي صلة بينه وبين إخوانه، والصلاة أعظم العبادات البدنية، والزكاة أعظم العبادات المالية
[ وأقرضوا الله قرضا حسنا ] أي تصدقوا في وجوه البر والإحسان ابتغاء وجه الله، قال ابن عباس : يريد سائر الصدقات سوى الزكاة، من صلة الرحم، وقرئ الضيف وغيرهما
[ وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ] أي أي شيء تفعلوه أيها الناس، من وجوه البر والخير، تلقوا أجره وثوابه عند ربكم
[ هو خيرا وأعظم أجرا ] اي تجدوا ذلك الأجر والثواب يوم القيامة، خيرا لكم مما قدمتم في الدنيا من صالح الأعمال، فإن الدنيا فانية والآخرة باقية، وما عند الله خير للأبرار
[ واستغفروا الله ] أى اطلبوا مغفرة الله في جميع أحوالكم، فإن الإنسان قلما يخلو من تقصير أو تفريط
[ إن الله غفور رحيم ] أي عظيم المغفرة، واسع الرحمة.. ختم تعالى السورة بارشاد المنفقين المحسنين، إلى أن يطلبوا من الله الصفح والعفو، إذ ربما كانوا لم يخلصوا النية فى الإنفاق، أو لم يحسنوا العمل فى الاقراض، فيضعوا النفقة في غير مواضعها، أو ينفقوها فيما لهم فيه غرض وشهوة، وهو ختم يتناسق مع موضوع الإنفاق، ومع الإخلاص، وصفاء النية، وصدق الإيمان، فسبحان منزل القرآن بأوضح بيان ! !
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين [ انقص منه.. أو زد عليه ] وبين [ المشرق.. والمغرب ] وبين [ الليل والنهار ].
٢ - جناس الاشتقاق [ أرسلنا إليكم رسولا ].
٣ - تأكيد الفعل بالمصدر مثل [ رتل القرآن ترتيلا ] [ وتبتل إليه تبتيلا ] [ فأخذناه أخذا وبيلا ] زيادة في البيان والإيضاح.