[ ولا تمنن تستكثر ] أي ولا تعط الناس عطاء وتستكثره، لأن الكريم يستقل ما يعطي وإن كان كثيرا، واعط عطاء من لا يخاف الفقر، وقال ابن عباس : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها بمعنى : لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه، وسر النهي أن يكون العطاء خاليا من انتظار العوض، تعففا وكمالا، فإن النبي (ص) مأمور بأشرف الآداب، وأجل الأخلاق
[ ولربك فاصبر ] أي اصبر على أذى قومك، ابتغاء وجه ربك.. ثم أخبر تعالى عن أهوال القيامة وشدائدها، فقال سبحانه :
[ فإذا نقر في الناقور ] أي فإذا نفخ في الصور، نفخة البعث والنشور، وعبر عن النفخ وعن الصور، بالنقر في الناقور، لبيان هول الأمر وشدته، فإن النقر فى كلام العرب معناه الصوت، وإذا اشتد الصوت أصبح مفزعا، فكأنه يقول : اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم هائل، يلقون فيه عاقبة أذاهم، وتلقى عاقبة صبرك، ولهذا قال بعده :
[ فذلك يومئذ يوم عسير ] أي فذلك اليوم يوم شديد هائل، يشتد فيه الهول، ويعسر الأمر، والإشارة بالبعيد [ فذلك ] للإيذان ببعد منزلته في الهول والفظاعة
[ على الكافرين غير يسير ] أي هو عسير على الكافرين، غير هين ولا يسير عليهم، لأنهم يناقشون الحساب، وتسود وجوههم، ويحشرون زرقا، ويتفضحون على رءوس الأشهاد، قال الصاوي : ودلت الآية على أنه يسير على المؤمنين، لأنه قيد عسره بالكافرين، وفيها زيادة وعيد وغيظ للكافرين، وبشرى وتسلية للمؤمنين.. ثم أخبر تعالى عن قصة ذلك الشقى الكافر " الوليد بن المغيرة " وقوله الشنيع فى القرآن، فقال سبحانه :
[ ذرني ومن خلقت وحيدا ] أي دعنى يا محمد وهذا الشقى، الذي خلقته فى بطن أمه، وحيدا فريدا، لا مال له ولا ولد، ولا حول له ولا مدد، ثم كفر بى وكذب بآياتى، قال المفسرون : نزلت في " الوليد بن المغيرة " كان من أكابر قريش، ولذلك لقب بالوحيد، وريحانة قريش، وقد أنعم الله عليه بنعم الدنيا، من المال والبنين، وأغدق عليه الرزق، فكان ماله كالنهر الدافق، وكان للوليد بستان فى الطائف، لا ينقطع ثمره صيفا ولا شتاء، فكفر بأنعم الله وبدلها كفرا، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها، وفيه نزل :[ ذرنى ومن خلفت وحيدا ] وهو أسلوب بليغ في التهديد، كما نزلت فيه الآيات المتقدمة في سورة نون [ ولا تطع كل حلاف مهين ] وهو الذي أذى رسول الله (ص) وكاد له، فإن صناديد قريش لما برموا برسول الله، وضاقت عليهم الحيل فى إسكاته، وإطفاء نور دعوته، لجأوا إلى الوليد، فأشار عليهم بأن يلقبوه (ص) بالساحر، ويأمروا عبيدهم وصبيانهم، أن ينادوا بذلك في مكة، فجعلوا ينادون أن محمدا ساحر، فحزن لذلك رسول الله (ص) فنزلت الآيات الكريمة، في معرض تهديده وتخويفه، ليكون ذلك أدعى للكسر من كبريائه، ثم قال تعالى :
[ وجعلت له مالا ممدودا ] أي جعلت له المال الواسع المبسوط، من الإبل، والخيل، والغنائم والبساتين النضرة، قال البيضاوي :[ ممدودا ] أي مبسوطا كثيرا، وكان له الزرع والضرع والتجارة قال ابن عباس : كان ماله ممدودا ما بين مكة والطائف، وقال مقاتل : كان له بستان لا ينقطع نفعه شتاء ولا صيفا
[ وبنين شهودا ] أي وأولادا مقيمين معه فى بلده، يحضرون معه المحافل والمجامع، يستأنس بهم ولا يتنغص عيشه لفراقهم، قال المفسرون : كان له عشرة بنين لا يفارقونه سفرا ولا حضرا، وكان مستأنسا بهم، وله بهم عز ومتعة، أسلم منهم ثلاثة " خالد، وهشام، والوليد ".. وبعد أن ذكر تعالى من مظاهر النعم المال والبنين، عاد فعمم الخيرات الدنيوية التي أنعم بها الله عليه فقال :