[ كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ] أي مثل ما أضل الله أبا جهل وأصحابه، يضل الله عن الهداية والإيمان من أراد إضلاله، ويهدي من أراد هدايته، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة (( قال علماء التوحيد : ليس معنى إضلال الله لفريق وهدايته لفريق، أنه تعالى يجبر كلا منهما على الضلالة والهدى، ولا أنه تعالى يكرههم على سلوك سبيلى الخير والشر، لا، لا، فإن هذا الإكراه مناف للعدل الإلهي، بل مناف لحكمة التشريع السماوي، ولا يتفق مع نصوص الشريعة المتواترة القاطعة، الدالة على أن العبد له إرادة واختيار، هما مناط التكليف والمؤاخذة، وكذلك فهم الصحابة والسلف الصالح، سأل رجل عليا رضي الله عنه فقال : أكان مسيرك إلى الشام - يعني لقتال أهلها - بقضاء الله وقدره ؟! فقال له : ويحك، لعلك ظننت قضاء لازما، وقدرا حاتما، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ﴿ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار﴾ وعلى ضوء هذا يفهم معنى الهداية والإضلال )).
[ وما يعلم جنود ربك إلا هو ] أي وما يعلم عدد الملائكة، وقوتهم وضخامة خلقهم، وكثرتهم إلا الله رب العالمين، وفي الآية رد على أبي جهل حين قال : أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر ؟
[ وما هي إلا ذكرى للبشر ] أي وما هذه النار، التي وصفها لكم الجبار، إلا موعظة وتذكرة للخلق ليخافوا ويطيعوا
[ كلا والقمر ] [ كلا ] كلمة ردع وزجر، ثم أقسم تعالى بالقمر على أن سقر حق، والمعنى : ليرتدع أولئك المستهزئون بالوحي والقرآن، عن فعلهم وسوء صنيعهم، وأقسم بالقمر
[ والليل إذ أدبر ] أي وأقسم بالليل حين ولى بظلمته ذاهبا
[ والصبح إذا أسفر ] أي وبالصبح إذا تبلج وأضاء، ونشر ضياءه على الأرجاء
[ إنها لإحدى الكبر ] أي إن جهنم لإحدى الدواهي الكبيرة، والبلايا الخطيرة، فكيف يستهزئون بها ويكذبون ؟ قال أبو حيان : أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفا لها، وتنبيها على ما يظهر فيها من عجائب الله وقدرته، وقوام الوجود بايجادها، أقسم على أن جهنم، إحدى الدواهي العظيمة التي لا نظير لها وفي الآية إيماء إلى أن الشمس والقمر مخلوقان لله، وأنهما في حركاتهما وإدبارهما وإسفارهما، ونشوء الليل والنهار عنهما، مسخران لأمره تعالى، ساجدان بين يدي قدرته وقهره، فكيف يحسن بالبشر أن يعبدوهما ويكفروا بالإله الذي خلقهما ؟ ثم قال تعالى عن جهنم :
[ نذيرا للبشر ] أي هي إنذار للخلق ليتقوا ربهم
[ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ] أي لمن أراد من العباد أن يتقرب إلى ربه بفعل الخيرات أو يتأخر بفعل الموبقات، قال في البحر : والمراد بالتقدم والتأخر : السبق على الخير والتخلف عنه، كقوله تعالى :[ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ] قال ابن عباس : من شاء اتبع طاعة الله، ومن شاء تأخر عنها بمعصيته
[ كل نفس بما كسبت رهينة ] أي كل نفس محبوسة بعملها، مرهونة عند الله بكسبها، ولا تفك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات
[ إلا أصحاب اليمين ] أي إلا فريق السعداء المؤمنين، فإنهم فكوا رقابهم وخلصوها من السجن والعذاب، بالإيمان وطاعة الرحمن
[ فى جنات يتساءلون عن المجرمين ] أي هم فى جنات وبساتين لا يدرك وصفها، يسأل بعضهم بعضا عن حال المجرمين الذين دخلوا النار، والسؤال لزيادة تبكيت أولئك المجرمين وتوبيخهم، وإدخال الألم والحسرة على نفوسهم، يقولون لهم