[ إلى ربك يومئذ المستقر ] أي إلى الله وحده مصير ومرجع الخلائق، قال الألوسي : إليه جل وعلا وحده استقرار العباد، لا ملجأ ولا منجى لهم غيره... والمقصود من الآيات بيان أهوال الآخرة، فالأبصار تنبهر يوم القيامة، وتخشع وتحار من شدة الأهوال ؟ ومن عظم ما تشاهده من الأمور العظيمة، والإنسان يطيش عقله، ويذهب رشده، ويبحث عن النجاة والمخلص، ولكن هيهات، فقد جاءت القيامة وانتهت الحياة
[ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ] أي يخبر الإنسان في ذلك اليوم بجميع أعماله، صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها، ما قدمه منها في حياته، وما أخره بعد مماته، من سنة حسنة أو سيئة، ومن سمعة طيبة أو قبيحة (( هذا معنى ما روي عن ابن عباس وابن مسعود وهو الأرجح، وقيل : بما قدم في أول عمره وما أخر في آخره )) وفي الحديث :(من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنه سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء )
[ بل الإنسان على نفسه بصيرة ] أي بل هو شاهد على نفسه، وسوء عمله، وقبح صنيعه، لا يحتاج إلى شاهد آخر، كقوله تعالى :[ كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ] والهاء فى [ بصيرة ] للمبالغة كراوية وعلامة، قال ابن عباس : الإنسان شاهد على نفسه وحده، يشهد عليه سمعه وبصره، ورجلاه، وجوارحه
[ ولو ألقى معاذيره ] أي ولو جاء بكل معذرة، ليبرر إجرامه وفجوره، فإنه لا ينفعه ذلك، لأنه شاهد على نفسه، وحجة بينة عليها، قال الفخر : المعنى أن الإنسان وإن اعتذر عن نفسه، وجادل عنها، وأتى بكل عذر وحجة، فإنه لا ينفعه ذلك، لأنه شاهد على نفسه بما جنت واقترقت من الموبقات، . وبعد هذا البيان انتقل الحديث إلى القرآن، وطريقة تلقى الوحى عن جبريل، فقال تعالى مخاطبا رسوله (ص)
[ لا تحرك به لسانك لتعجل به ] أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي عليك بواسطة جبريل، لأجل أن تتعجل بحفظه، مخافة أن يتفلت منك
[ إن علينا جمعه وقرآنه ] أي إن علينا أن نجمعه فى صدرك يا محمد، وأن تحفظه
[ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ] أي فإذا قرأه عليك جبريل، فأنصت لاستماعه حتى يفرغ، ولا تحرك شفتيك أثناء قراءته
[ ثم أن علينا بيانه ] أي ثم إن علينا بيان ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه، قال ابن عباس : كان رسول الله (ص)يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك به لسانه وشفتيه، مخافة أن ينفلت منه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله [ لا تحرك به لسانك ] الآيات، فكان رسول الله (ص)بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام، أطرق واستمع، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل قال ابن عباس :[ إن علينا جمعه وقرآنه ] قال : فاستمع وأنصت [ ثم إن علينا بيانه ] قال : أن نبينه بلسانك وقال ابن كثير : كان (ص)يبادر إلى أخذ القرآن، ويسابق الملك فى قراءته، فأمره الله عز وجل أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه فى صدره، وأن يبينه له ويوضحه، فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وايضاح معناه ثم عاد الحديث عن المكذبين بيوم الدين، فقال تعالى مخاطبا كفار مكة :
[ كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ] أي ارتدعوا يا معشر المشركين، فليس الأمر كما زعمتم، أن لا بعث ولا حساب ولا جزاء، بل أنتم قوم تحبون الدنيا الفانية، وتتركون الآخرة الباقية، ولذلك لا تفكرون في العمل للآخرة، مع أنها خير وأبقى


الصفحة التالية
Icon