[ وجوه يومئذ ناضرة ] لما ذكر تعالى أن الناس يؤثرون الدنيا ولذائذها الفانية على الآخرة، ومسراتها الباقية، وصف ما يكون يوم القيامة من انقسام الخلق إلى فريقين : أبرار، وفجار، والمعنى : وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة مضيئة، من أثر النعيم، وبشاشة السرور عليها، كقوله تعالى :[ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ]
[ إلى ربها ناظرة ] أي تنظر إلى جلال ربها، وتهيم في جماله، وأعظم نعيم لأهل الجنة رؤية المولى جل وعلا والنظر إلى وجهه الكريم بلا حجاب، قال الحسن البصري : تنظر إلى الخالق، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق، وبذلك وردت النصوص الصحيحة (( هذا هو مذهب أهل السنة، ويؤيده ما ورد في الصحيحين (إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر.. ) الحديث، وفى صحيح مسلم (فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى) وأنكر المعتزلة رؤية الله في الآخرة، وأولوا الآية ﴿ناظرة ﴾ بمعنى منتظرة تنتظر ثواب ربها، وهذا باطل لأن نظر بمعنى انتظر يتعدى بغير حرف الجر، وانظر الأدلة وافية في تفسير الخازن )).
[ ووجوه يومئذ باسرة ] أي ووجوه يوم القيامة عابسة كالحة، شديدة العبوس والكلوح، وهي وجوه الأشقياء أهل الجحيم
[ تظن أن يفعل بها فاقرة ] أي تتوقع أن تنزل بها داهية عظمى، تقصم فقار الظهر، قال ابن كثير : هذه وجوه الفجار، تكون يوم القيامة كالحة عابسة، تستيقن أنها هالكه، وتتوقع أن تحل بها داهية، تكسر فقار الظهر
[ كلا إذا بلغت التراقى ] [ كلا ] ردع وزجر عن إيثار العاجلة، أي ارتدعوا يا معشر المشركين عن ذلك، وتنبهوا لما بين أيديكم من الأهوال والمخاطر، فإن الدنيا دار الفناء، ولا بد أن تتجرعوا كأس المنية، إذا بلغت الروح [ التراقى ] أي أعالى الصدر، وشارف الإنسان على الموت
[ وقيل من راق ] أي وقال أهله وأقرباؤه : من يرقيه ويشفيه مما هو فيه ؟ قال فى البحر : ذكرهم تعالى بصعوبة الموت، وهو أول مراحل الآخرة، حين تبلغ الروح التراقى - وهي عظام أعلى الصدر - فقال أهله : من يرقى ويطبب ويشفي هذا المريض به،
[ وظن أنه الفراق ] أي وأيقن المحتضر أنه سيفارق الدنيا والأهل والمال، لمعاينته ملائكة الموت
[ والتفت الساق بالساق ] أي والتفت إحدى ساقي المحتضر على الأخرى، من شدة كرب الموت وسكراته، قال الحسن : هما ساقاه إذا التفتا في الكفن، وروي عن ابن عباس أن المراد اجتمعت عليه شدة مفارقة الدنيا، مع شدة الموت وكربه، فيكون ذلك من (باب التمثيل ) للأمر الهائل العظيم، حيث يلتقي عليه شدة كرب الدنيا، مع شدة كرب الآخرة، كما يقال : شمرت الحرب عن ساق، استعارة لشدتها
[ إلى ربك يومئذ المساق ] أي إلى الله جل وعلا مساق العباد، يجتمع عنده الأبرار والفجار، ثم يساقون إلى الجنة أو النار قال الخازن : أي مرجع العباد إلى الله تعالى، يساقون إليه يوم القيامة ليفصل بينهم.. ثم أخبر تعالى عن حال الجاحد المكذب، فقال سبحانه :
[ فلا صدق ولا صلى ] أي لم يصدق بالقرآن، ولم يصلي للرحمن، قال أبو حيان : والجمهور على أنها نزلت في " أبي جهل " وكادت أن تصرح به في قوله :[ يتمطى ] فإنها كانت مشيته، ومشية قومه (بني مخزوم )، وكان يكثر منها
[ ولكن كذب وتولى ] أي ولكن كذب بالقرآن، وأعرض عن الإيمان
[ ثم ذهب إلى أهله يتمطى ] أي ذهب يتبختر في مشيته، وذلك عبارة عن التكبر والخيلاء


الصفحة التالية
Icon