[ وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ] أي وأثابهم بسبب صبرهم على مرارة الطاعة والإيثار بالمال، جنة واسعة وألبسهم فيها الحرير كما قال تعالى :[ ولباسهم فيها حرير ].. وفي الآية إيجاز، آخذ بأطراف الإعجاز، فقد أشار تعالى بقوله :[ جنة ] إلى ما يتمتع به أولئك الأبرار فى دار الكرامة، من أصناف الفواكه والثمار، والمطاعم والمشارب الهنية، فإن الجنة لا تسمى جنة إلا وفيها كل أسباب الراحة كما قال تعالى :[ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ] وأشار بقوله :[ وحريرا ] إلى ما يتمتعون به من انواع الزينة واللباس، التي من أنفسها وأغلاها عند العرب الحرير، فقد جمع لهم أنواع الطعام والشراب واللباس، وهو قصارى ما تتطلع له نفوس الناس.. ولما ذكر طعامهم ولباسهم وصف نعيمهم ومساكنهم ققال :
[ متكئين فيها على الأرائك ] أي مضطجعين في الجنة على الأسرة المزينة بفاخر الثياب والستور، والأرائك جمع أريكة وهي السرير ترخى عليه الحجلة، والحجلة هي ما يندل على السرير من فاخر الثياب والستور، وإنما خصهم بهذه الحالة لأنها أتم حالات المتنعم
[ لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ] أي لا يجدون فيها حرا ولا بردا، لأن هواءها معتدل، فلا حر ولا قر، وإنما هي نسمات تهب من العرش تحيي الأنفاس
[ ودانية عليهم ظلالها ] أي ظلال الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار
[ وذللت قطوفها تذليلا ] أي أدنيت ثمارها منهم، وسهل عليهم تناولها، قال ابن عباس : إذا هم أن يتناول من ثمارها، تدلت إليه حتى يتناول منها ما يريد.. ولما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم، وصف بعد ذلك شرابهم فقال :
[ ويطاف عليهم بآنية من فضة ] أي يدور عليهم الخدم بالأواني الفضية فيها الطعام والشراب - على عادة أهل الترف والنعيم في الدنيا - فيتناول كل واحد منهم حاجته، وهذه الأواني هي الصحاف بعضها من فضة، وبعضها من ذهب كما قال تعالى :[ يطاف عليهم بصحاف من ذهب ] قال الرازي : ولا منافاة بين الآيتين، فتارة يسقون بهذا، وتارة بذاك
[ وأكواب كانت قواريرا ] أي وأكواب - وهي كالأقداح - رقيقة شفافة كالزجاج في صفائه، قال في البحر : ومعنى [ كانت ] أن الله تعالى أوجدها بقدرته، فيكون تفخيما لتلك الخلقة العجيبة الشأن، الجامعة بين بياض الفضة ونصوعها، وشفيف القوارير وصفائها
[ قواريرا من فضة ] أي هي جامعة بين صفاء الزجاج، وحسن الفضة، قال ابن عباس : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء - يعني أن ما في الجنة أسمى وأشرف وأعلى - ولو أخذت فضة من فضة الدنيا، فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب، لم ير الماء من ورائها، ولكن قوارير الجنة ببياض الفضة، مع صفاء القواربر
[ قدروها تقديرا ] أي قدرها السقاة على مقدار حاجتهم، لا تزيد ولا تنقص، وذلك ألذ وأشهى، قال ابن عباس : أتوا بها على قدر الحاجة لا يفضلون شيئا، ولا يشتهون بعدها شيئا
[ ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ] أي يسقى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسا من الخمر، ممزوجة بالزنجبيل، والعرب تستلذ من الشراب ما مزج بالزنجبيل لطيب رائحته، قال القرطبي : فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب قال قتادة : الزنجبيل اسم لعين في الجنة يشرب منها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة


الصفحة التالية
Icon