[ عينا فيها تسمى سلسبيلا ] أي يشربون من عين في الجنة تسمى السلسبيل، لسهولة مساغها وانحدارها في الحلق، قال المفسرون : السلسبيل : الماء العذب، السهل الجريان في الحلق لعذوبته وصفائه، وإنما وصف بأنه سلسبيل، لأن ذلك الشراب يكون في طعم الزنجبيل، ولكن ليس فيه لذعته، فيشعر الشاربون بطعمه، لكنهم لا يشعرون بحرافته، فيبقى الشراب سلسبيلا، سهل المساغ في الحلق.. ثم وصف بعد ذلك خدم أهل الجنة، فقال سبحانه :
[ ويطوف عليهم ولدان مخلدون ] أي ويدور على هؤلاء الأبرار، غلمان ينشئهم الله تعالى لخدمة المؤمنين [ مخلدون ] أي دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء، قال القرطبي : أي باقون على ما هم عليه من الشباب، والنضارة، والغضاضة، والحسن، لا يهرمون ولا يتغيرون، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة
[ إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ] أي إذا نظرتهم منشرين في الجنة لخدمة أهلها، خلتهم لحسنهم، وصفاء ألوانهم، وإشراق وجوههم، كأنهم اللؤلو المنثور، قال الرازي : هذا من التشبيه العجيب، لأن اللؤلؤ إذا كان متفرقا يكون أحسن فى المنظر، لوقوع شعاع بعضه على بعض فيكون أروع وأبدع
[ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ] أي وإذا رأيت هناك مما في الجنة من مظاهر الأنس والسرور، رأيت نعيما لا يكاد يوصف، وملكا واسعا عظيما لا غاية له، كما في الحديث القدسي :(أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) قال ابن كثير : وثبت في الصحيح أن :(أقل أهل الجنة منزلة من له قدر الدنيا وعشرة أمثالها) فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة، فما ظنك بمن هو أعلى منزلة ؟ وأحظى عنده تعالى ؟ ثم زاد تعالى في بيان وصف نعيمهم فقال :
[ عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق ] أي تعلوهم الثياب الفاخرة الخضراء، المزينة بأنواع الزينة، من الحرير الرقيق - وهو السندس - والحرير الثخين وهو - الاستبرق - فلباسهم فى الجنة الحرير كما قال تعالى :[ ولباسهم فيها حرير ] قال المفسرون : السندس ما رق من الحرير، والاستبرق ما غلظ من الحرير، وهذا لباس الأبرار في الجنة، وإنما قال :[ عاليهم ] لينبه على أن لهم عدة من الثياب، ولكن الذي يعلوها هي هذه، فتكون أفضلها
[ وحلوا أساور من فضة ] أي وألبسوا في الجنة أساور فضية للزينة والحلية، وعبر بالماضي إشارة لتحقق وقوعه، قال الصاوي : فإن قيل : كيف قال هنا :[ أساور من فضة ] وفي سورة الكهف :[ يحلون فيها من أساور من ذهب ] وفي سورة فاطر :[ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ] فالجواب أنهم تارة يلبسون الذهب فقط، وتارة يلبسون الفضة، وتارة يلبسون اللؤلؤ فقط، على حسب ما يشتهون، ويمكن أن يجمع في يد أحدهم أسورة الذهب والفضة واللؤلؤ
[ وسقاهم ربهم شرابا طهورا ] أي سقاهم الله - فوق ذلك النعيم - شرابا طاهرا لم تدنسه الأيدي، وليس بنجس كخمر الدنيا، قال الطبري : سقي هؤلاء الأبرار شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير بلولا نجسا، بل رشحا من أبدانهم كرشح المسك، روي أن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا، فإذا أكل سقي شرابا طهورا، فيصير رشحا يخرج من جلده، أطيب ريحا من المسك الإذخر
[ إن هذا كان لكم جزاء ] أي يقال لهم بعد دخولهم الجنة ومشاهدتهم نعيمها : هذا مقابل أعمالكم الصالحة في الدنيا