[ وكان سعيكم مشكورا ] أي وكان عملكم مقبولا مرضيا، جوزيتم عليه أحسن الجزاء، مع الشكر والعناء.. ذكر تعالى في الآيات السابقة، أن الله تعالى أعد للكافرين السلاسل والأغلال، وهيأ للأبرار أرائك يتكئون عليها، وعليهم ثياب السندس والإستبرق، وفي معاصمهم أساور الفضة، وبين أيديهم ولدان مخلدون، كأنهم اللؤلؤ المنثور، يطوفون على أولئك الأبرار بصحاف الفضة وأكوابها الصافية النقية، وقد ملئت شرابا ممزوجا بالزنجبيل والكافور، وكل ذلك للترغيب والترهيب، على طريقة القرآن فى المقارنة بين أحوال الأبرار والفجار.. وبعد هذا الوضوح والبيان، كان المشركون يقابلون كل هذه الآيات بالصد والإعراض، والاستهزاء بالقرآن وبمحمد (ص)، وكان الرسول يتألم ويحزن لموقف المعاندين، لذلك جاءت الآيات تشد من عزيمته، وتسليه وتخفف من قلبه الشريف، آثار الهم والضجر
[ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ] أي نحن الذين أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن مفرقا، لتذكرهم بما فيه من الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، فلا تبتئس ولا تحزن ولا تضجر، فالقرآن حق ووعده صدق
[ فاصبر لحكم ربك ] اي اصبر يا محمد وانتظر لحكم ربك وقضائه، فلابد أن ينتقم منهم، ويقر عينك بإهلاكهم، إن عاجلا أو أجلا
[ ولا تطع منهم آثما ] أي ولا تطع من هؤلاء الفجرة من كان [ آثما ] منغمسا في الشهوات، غارقا فى الموبقات
[ أو كفورا ] أي ولا تطع من كان مبالغا في الكفر والضلال، لا ينزجر ولا يرتعد، وصيغة [ كفورا ] من صيغ المبالغة ومعناها المبالغ في الكفر والجحود، قال المفسرون : نزلت فى " عنبة بن ربيعة " و " الوليد بن المغيرة " قالا للنبي (ص) : إن كنت تريد النساء والمال فارجع عن هذا الأمر ونحن نكفيك ذلك، فقال عتبة : أنا أزوجك ابنتي وأسوقها لك من غير مهر، وقال الوليد : أنا أعطيك من المال حتى ترضى فنزلت، والأحسن أنها على العموم، لأن لفظها عام فهي تشمل كل فاسق وكافر
[ واذكر اسم ربك ] أي صل لربك وأكثر من عبادته وطاعته
[ بكرة وأصيلا ] أي في أول النهار وآخره، في الصباح والمساء
[ ومن الليل فاسجد له ] أي ومن الليل فصل له، متهجدا مستغرقا في مناجاته
[ وسبحه ليلا طويلا ] أي وأكثر من التهجد والقيام لربك في جناح الظلام والناس نيام، كقوله تعالى :[ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ] والمقصود أن يكون عابدا لله، ذاكرا له فى جميع الأوقات، في الليل والنهار، والصباح والمساء، بقلبه ولسانه، ليتقوى على مجابهة أعدائه.. وبعد تسلية النبي الكريم، عاد إلى شرح أحوال الكفرة المجرمين فقال :
[ إن هؤلاء يحبون العاجلة ] أي إن هؤلاء المشركين يفضلون الدنيا على الآخرة، وينهمكون في لذائذها الفانية
[ ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ] أي ويتركون أمامهم يوما عسيرا شديدا، عظيم الأهوال والشدائد، وهو يوم القيامة
[ نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ] أي نحن بقدرتنا أوجدناهم من العدم، وأحكمنا ربط مفاصلهم، بالأعصاب والعروق، حتى كانوا أقوياء أشداء
[ وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ] أي ولو أردنا أهلكناهم، ثم بدلنا خيرا منهم، يكونون أعبد لله وأطوع، وفي الآية تهديد ووعيد
[ إن هذه تذكرة ] أي هذه الآيات الكريمة بمعناها الدقيق، ولفظها الرشيق، موعظة وذكرى، يتذكر بها العاقل، وينزجر بها الجاهل
[ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ] أي فمن أراد الانتفاع والاعتبار وسلوك طريق السعادة، فليعتبر بآيات القرآن، وليستنر بنوره وضيائه، وليتخذ طريقا موصلا إلى ربه، بطاعته وطلب مرضاته، فأسباب السعادة ميسورة، وسبل النجاة ممهدة


الصفحة التالية
Icon