[ والمرسلات عرفا ] أي أقسم بالرياح حين تهب متتابعة، يقفو بعضها إثر بعض (( اختلف المفسرون اختلافا كبيرا في تفسير هذه الآيات الخمس فبعضهم حملها جميعا على الرياح وبعضهم حملها جميعا على الملائكة، وبعضهم فصل، وتوقف الإمام ابن جرير، وقد اخترنا ما ذهب إليه ابن كثير وما رجحه صاحب التسهيل حيث قال : والأظهر في ﴿المرسلات. والعاصفات ﴾ انها الرياح لأن وصف الرياح بالعصف حقيقة والأظهر فى ﴿الناشرات، والفارقات ﴾ أنها الملائكة لأن قوله ﴿فالملقيات ذكرا﴾ المذكورة بعدها في الملائكة ولم يقل أحد أنها الرياح ولذلك عطف المتجانس بالفاء فقال ﴿والمرسلات فالعاصفات ﴾ ثم عطف ما ليس من جنسها بالواو فقال ﴿والناشرات ﴾ ثم عطف بالفاء وهذا قول جيد وهو الأصح والأظهر، والله اعلم )) قال المفسرون : هي رياح العذاب التي يهلك الله بها الظالمين
[ فالعاصفات عصفا ] أي وأقسم بالرياح الشديدة الهبوب، إذا أرسلت عاصفة شديدة، قلعت الأشجار، وخربت الديار، وغيرت الآثار
[ والناشرات نشرا ] أي وأقسم بالملائكة الموكلين بالسحب يسوقونها حيث شاء الله، لتنشر رحمة الله - المطر - فتحيي به البلاد والعباد
[ فالفارقات فرقا ] أي وأقسم بالملائكة التي تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام
[ فالملقيات ذكرا ] أي وأقسم بالملائكة تنزل بالوحي، وتلقي كتب الله تبارك وتعالى إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
[ عذرا أو نذرا ] أي تلقي الوحي إعذارا من الله للعباد، لئلا يبقى لهم حجة عند الله، أو إنذارأ من الله للخلق بالنقمة والعذاب
[ إنما توعدون لواقع ] هذا هو جواب القسم، أي إن ما توعدون به من أمر القيامة، وأمر الحساب والجزاء، كائن لا محالة، قال المفسرون : أقسم تعالى بخمسة أشياء، تنبيها على جلالة قدر المقسم به، وتعظيما لشأن المقسم عليه، فأقسم بالرياح التي تحمل الرحمة والعذاب، وتسوق للعباد الخير أو الشر، وبالملائكة الأبرار، الذين يتنزلون بالوحي للإعذار والإنذار، أقسم على أن أمر القيامة حق لا شك فيه، وأن ما أوعد الله تعالى به المكذبين، من مجيء الساعة والثواب والعقاب، كائن لا محالة، فلا ينبغي الشك والامتراء.. ثم بين تعالى وفصل وقت وقوع ذلك فقال
[ فإذا النجوم طمست ] أي محيت النجوم، وذهب نورها وضياؤها
[ وإذا السماء فرجت ] أي شقت السماء وتصدعت
[ وإذا الجبال نسفت ] أي تطايرت الجبال وتناثرت حتى أصبحت هباء تذروه الرياح، كقوله تعالى [ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ]
[ وإذا الرسل أقتت ] أي جعل للرسل وقت وأجل، للفصل بينهم وبين الأمم، وهو يوم القيامة، كقوله تعالى [ يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ] ؟ وأصل [ أقتت ] وقتت من الوقت أي جعل لها وقت محدد، قال الطبري : أي أجلمت للاجتماع لوقتها يوم القيامة وقال مجاهد : هو الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم
[ لأى يوم أجلت ] ؟ استفهام لتعظيم ذلك اليوم، والتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة، أي لأي يوم عظيم أخرت الرسل ؟ ثم قال
[ ليوم الفصل ] أي ليوم القضاء والفصل بين الخلائق، يوم يفصل الله بين الأنبياء وأممهم المكذبين، بحكمه العادل