[ وما أدراك ما يوم الفصل ] ؟ استفهام للتعظيم والتهويل أي وما أعلمك أيها الإنسان بيوم الفصل وشدته وهوله ؟ فإن ذلك اليوم أعظم من أن يعرف أمره إنسان، أو يحيط به عقل أو وجدان، ووضع الظاهر [ ما يوم الفصل ] مكان الضير " ما هو " لزيادة تفظيع وتهويل أمره، قال الإمام الفخر : عجب العباد من تعظيم ذلك اليوم فقال : لأي يوم أجلت الأمور المتعلقة بهؤلاء الرسل، وهي تعذيب من كذبهم، وتعظيم من آمن بهم، وظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به، من الأهوال والعرض والحساب، ثم إنه تعالى بين ذلك فقال [ ليوم الفصل ] وهو يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، ثم أتبع ذلك تعظيما ثانيا فقال [ وما أدراك ما يوم الفصل ] أي ما أعلمك ما هو يوم الفصل وشدته ومهابته ؟ وجواب الشرط [ فإذا النجوم ] إلخ محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره : وقع ما توعدون به، وجرى ما أخبركم به الرسل، من مجىء القيامة، والحذف على هذه الصورة من أساليب الإيجاز البياني الذي امتاز به القرآن
[ ويل يومئذ للمكذبين ] أي هلاك عظيم وخسار كبير في ذلك اليوم، لأولئك المكذبين بهذا اليوم الموعود، قال المفسرون : كرر هذه الجملة [ ويل يومئذ للمكذبين ] في هذه السورة عشر مرات لمزيد الترغيب والترهيب، وفي كل جملة وردت إخبار عن أشياء عن أحوال الآخرة، وتذكير بأحوال الدنيا، فناسب أن يذكر الوعيد عقيب كل جملة منها بالويل والدمار، للكفرة الفجار!! ولما ذكر تعالى فى سورة الإنسان السابقة، بعضا من أحوال الكفار فى الآخرة، وأطنب فى وصف أحوال المؤمنين هناك، جاء في هذه السورة بالإطناب في وصف الكفار، والإيجاز في وصف المؤمنين.. ثم بعد أن أكد الخبر بيوم القيامة، وأنه حق كائن لا محالة، وبعد أن خوف المكذبين من شدة هول ذلك اليوم، وفظاعة ما يقع فيه، عاد فخوفهم من بطش الله وانتقامه، بأسلوب آخر فقال
[ ألم نهلك الأولين ] ؟ أي ألم نهلك السابقين بتكذيبهم للرسل، كقوم نوح وعاد وثمود ؟
[ ثم نتبعهم الآخرين ] ؟ أي ثم ألحقنا بهم المتأخرين ممن كانوا مثلهم في التكذيب والعصيان، كقوم لوط وشعيب وقوم موسى " فرعون وأتباعه " ومن على شاكلتهم
[ كذلك نفعل بالمجرمين ] أي مثل ذلك الإهلاك الفظيع، نفعل بهؤلاء المجرمين " كفار مكة " لتكذيبهم لسيد المرسلين (ص)
[ ويل يومئذ للمكذبين ] أي هلاك ودمار لكل مكذب بالتوحيد والنبؤة، والبعث والحساب
[ ألم نخلقكم من ماء مهين ] تذكير للمكذبين وتعجيب من غفلتهم وذهولهم عن أبسط الأمور المشاهدة، وهي أن من خلقهم من النطفة الحقيرة الضعيفة، كان قادرا على إعادة خلقهم للبعث والحساب، والمعنى : ألم نخلقكم يا معشر الكفار من ماء ضعيف حقير هو منى الرجل ؟ وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل (ابن آدم أنى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه ) ؟ الحديث (( هذا الحديث أخرجه الامام أحمد في المسند، ورواه ابن ماجه فى سننه، وتمامه أن رسول الله (ص) بصق يوما في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال : يقول الله عز وجل :" ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقنك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديك، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي قلت : اتصدق، وأنى أوان الصدقة ؟ " )).
[ فجعلناه في قرار مكين ] أي فجعلنا هذا الماء المهين في مكان محكم وهو رحم المرأة
[ إلى قدر معلوم ] أي إلى مقدار من الزمن محدد معين، معلوم عند الله تعالى وهو وقت الولادة،
[ فقدرنا فنعم القادرون ] أي فقدرنا على خلقه العجيب، فنعم القادرون نحن حيث خلقناه في أحسن الصور، وأجمل الأشكال