[ ويل يومئذ للمكذبين ] أي هلاك ودمار للمكذبين بقدرتنا، قال الصاوي : هذه الآية تذكير من الله تعالى للكفار بعظيم إنعامه عليهم، وبقدرته على ابتداء خلقهم، والقادر على الابتداء قادر على الإعادة، ففيها رد على المنكرين للبعث ثم ذكرهم بنعمة إيجادهم على الارض حال الحياة، ومواراتهم في باطنها بعد الموت، فقال سبحانه
[ ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ] ؟ أي ألم نجعل هذه الأرض التى تعيشون عليها كالأم لكم، تجمع الأحياء على ظهرها، والأموات فى بطنها ؟ قال المفسرون : الكفت : الجمع والضم، فالأرض تجمع وتضم إليها جميع البشر، فهى كالأم لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدور، والأموات يسكنون في بطنها في القبور [ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ] قال الشعبي : بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم
[ وجعلنا فيها رواسي شامخات ] أي وجعلنا في الأرض جبالا راسخات عاليات مرتفعات لئلا تضطرب بكم (( لقد كشف القرآن عن حكمة وجود الجبال قبل أن يكتشفها العلم الحديث، فالجبال كالأوتاد للأرض تثبتها وتقيها الاضطراب والميدان، كما تقي أوتاد الخيمة، وقد كشف الوحي عن هذا المعنى فقال في سورة النحل :﴿وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ﴾ ولولا هذه الجبال الشاهقة لكانت الأرض - بما في جوفها من الغازات والأبخرة والمواد المتراكمة المشتعلة - دائمة الاضطراب والخفقان، وأضحت كالريشة في مهب الهواء، فسبحان الحكيم العليم، على أن في خلق الجبال الشوامخ نعمة اخرى هي نشوء السحب فوقها، وهطول الأمطار والثلوج عليها، فتتكون بسبب ذلك الأنهار والعيون، ثم تكثر الأشجار والزروع، فالجبال مخازن للثلوج والأمطار، ومستودعات عامة لبركات السماء، ولهذا قرن تعالى بها نعمة الماء فقال :﴿وأسقيناكم ماء فراتا﴾ ف لله ما أبدع أسرار القرآن ! ! )).
[ وأسقيناكم ماء فراتا ] أي وأسقيناكم ماء عذبا حلوا بالغ العذوبة، أنزلناه لكم من السحاب، وأخرجناه لكم من العيون والأنهار، لتشربوا منه انتم ودوابكم، وتسقوا منه زرعكم وأشجاركم
[ ويل يومئذ للمكذبين انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ] أي انطلقوا إلى عذاب جهنم الذي كنتم تكذبون به في دار الدنيا، وهذا الكلام تقوله لهم خزنة النار تقريعا وتوبيخا.. ثم وضح ذلك العذاب وفضله، فقال سبحانه
[ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ] أي اذهبوا فاستظلوا بدخان كثيف من دخان جهنم، يتفرع منه ثلاث شعب
[ لا ظليل ولايغني من اللهب ] أي لا يظل من يكون تحته، ولا يقيه حر الشمس، كما هو حال الظل الممدود، ولا هو يدفع عنه أيضا السنة النار المندلعة من كل جانب، قال الطبري : لا هو يظلهم من حرها، ولا يكنهم من لهبها، وذلك أنه يرتفع من وقود جهنم الدخان، فإذا تصاعد تفرق شعبا ثلاثة قال المفسرون : سمى العذاب ظلا تهكما واستهزاء بالمعذبين، فالمؤمنون في ظلال وعيون، والمجرمون في سموم وحميم، وظل! من يحموم، واليحموم دخان أسود قاتم، فكيف يصح أن يسمى ما هم فيه (ظلا) إلا على طريق التهكم والاستهزاء ؟ ثم زاد تعالى فى وصف جهنم وأهوالها، فقال سبحانه
[ إنها ترمى بشرر كالقصر ] أي إن جهنم تقذف بشرر عظيم من النار، كل شرارة منه كأنها القصر العظيم، قال ابن كثير : يتطاير الشرر من لهبها كالحصون
[ كأنه جمالة صفر ] أي كأن شرر جهنم المتطاير منها، الإبل الصفر قي لونها وسرعة حركتها، قال الرازي : شبه تعالى الشرر في العظم بالقصر، وفي اللون والكثرة وسرعة الحركة بالجمالات الصفر، وهذا التشبيه من روائع صور التشبيه، لأن الشرارة إذا كانت مثل القصر الضخم، فكيف تكون حال تلك النار الملتهبة ؟ أجارنا الله من نار جهنم بفضله ورحمته