[ وفتحت السمآء فكانت أبوابا ] أي تشققت السماء من كل جانب، حتى كان فيها صدوع وفتوح كالأبواب في الجدران، من هول ذلك اليوم كقوله تعالى [ إذا السمآء انشقت ] [ الإنشقاق : ١ ] وعبر الماضي [ وفتحت ] لتحقق الوقوع
[ وسيرت الجبال فكانت سرابا ] أي ونسفت الجبال وقلعت من أماكنها، حتى أصبح يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء، كالسراب بظنه الرائي ماء وليس بماء قال القرطبي : صارت الجبال بعد نسفها هباء منبثا لعين الناظر، كالسراب الذي يظنه من يراه ماء وهو في الحقيقة هباء
[ إن جهنم كانت مرصادا ] أي إن جهنم تنتظر وتترقب نزلاءها الكفار، كما يترصد الإنسان ويترقب عدوه ليأخذه على حين غرة قال المفسرون : المرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو، وجهنم تترصد أعداء الله لتعذبهم بسعيرها، وهي مترقبة ومتطلعة لمن يمر عليها من الكفار الفجار لتلتقطهم إليها
[ للطاغين مآبا ] أي هي مرجع ومأوى ومنزل للطغاة المجرمين
[ لابثين فيهآ أحقابا ] أي ماكثين في النار دهورا متتابعة لا نهاية لها قال القرطبي : أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب ـ أي الدهور ـ وهي لا تنقطع، كلما مضى حقب جاء حقب، لأن أحقاب الآخرة لا نهاية لها قال الربيع وقتادة : هذه الأحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع (( ليس في الآية الكريمة ما يدل على تناهي تلك الأحقاب، لأن الحقب فى كلام العرب لا يكاد يستعمل إلا فيما هو متتابع متلاحق، وهو كناية عن التأبيد، فخاطبهم بما تذهب إليه أوهامهم وما يعرفون، وقيل إنها فى عصاة المؤمنين وهذا خطأ لأنها في الكفار لقوله تعالى :﴿وكذبوا بآياتنا كذابا﴾ )).
[ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ] أي لا يذوقون في جهنم بدورة تخفف عنهم حر النار، ولا شرابا يسكن عطشهم فيها
[ إلا حميما وغساقا ] أي إلا ماء حارا بالغا الغاية في الحرارة، وغساقا أي صديدا يسيل من جلود أهل النار
[ جزآء وفاقا ] أي يعاقبهم الله بذلك جزاء موافقا لأعمالهم السيئة
[ إنهم كانوا لا يرجون حسابا ] أي لم يكونوا يتوقعون الحساب والجزاء، ولا يؤمنون بلقاء الله، فجازاهم الله بذلك الجزاء العادل
[ وكذبوا بآياتنا كذابا ] أي وكانوا يكذبون بآيات الله الدالة على البعث وبالآيات القرآنية تكذيبا شديدا
[ وكل شيء أحصيناه كتابا ] أي وكل ما فعلوه من جرائم وآثام ضبطناه في كتاب لنجازيهم عليه
[ فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ] أي فذوقوا يا معشر الكفار فلن نزيدكم على استغاثتكم إلا عذابا فوق عذابكم قال المفسرون : ليس في القرآن على أهل النار آية هي أشد من هذه الآية، كلما استغاثوا بنوع من العذاب أغيثوا بأشد منه.. ولما ذكر تعالى أحوال الأشقياء أهل النار، ذكر بعدها أحوال السعداء الأبرار فقال
[ إن للمتقين مفازا ] أي إن للمؤمنين الأبرار الذين أطاعوا ربهم في الدنيا، موضع ظفر وفوز بجنات النعيم، وخلاص من عذاب الجحيم، ثم فسر هذا الفوز فقال
[ حدآئق وأعنابا ] أي بساتين ناضرة فيها من جميع الأشجار والأزهار، وفيها كروم الأعناب الطيبة المتنوعة من كل ما تشتهيه النفوس
[ وكواعب أترابا ] أي ونساء عذارى نواهد قد برزت أثداؤهن، وهن في سن واحدة قال في التسهيل : الكواعب جمع كاعب وهي الجارية التي خرج ثديها
[ وكأسا دهاقا ] أي وكأسا من الخمر ممتلئة صافية قال القرطبي : المراد بالكأس الخمر كأنه قال : وخمرا ذات داهق أي مملوءة قد عصرت وصفيت
[ لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ] أي لا يسمعون في الجنة كلاما فارغا لا فائدة فيه، ولا كذبا من القول لأن الجنة دار السلام، وكل ما فيها سالم من الباطل والنقص
[ جزآء من ربك عطآء حسابا ] أي جازاهم الله بذلك الجزاء العظيم، تفضلا منه وإحسانا كافيا على حسب أعمالهم


الصفحة التالية
Icon