[ يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ] أي يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى التي يرتجف ويتزلزل لها كل شيء، تتبعها النفخة الثانية وهي نخفة القيام من القبور قال ابن عباس : الراجفة والرادفة هما النفختان الأولى والثانية، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى، وأما الثانية فتحيي كل شيء بإذن الله تعالى.. ثم ذكر تعالى حالة المكذبين وما يلقونه من الشدائد والأهوال فقال
[ قلوب يومئذ واجفة ] أي قلوب الكفار في ذلك اليوم خائفة وجدلة مضطربة
[ أبصارها خاشعة ] أي أبصار أصحابها ذليلة حقيرة مما عاينت من الأهوال
[ يقولون أإنا لمردودون في الحافرة ] أي يقولون في الدنيا استهزاء واستبعادا للبعث : إنكم تبعثون قالوا منكرين متعجبين : أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر، فنعود أحياء كما كنا قبل المرت ؟ والعرب تقول : رجع فلان في حافرته أي رجع من حيث جاء
[ أإذا كنا عظاما نخرة ] أي هل إذا صرنا عظاما بالية متفتتة سنرد ونبعث من جديد ؟
[ قالوا تلك إذا كرة خاسرة ] أي إن كان البعث حقا، وبعثنا بعد موتنا فسوف نكون من الخاسرين لأننا من أهل النار، قال تعالى
[ فإنما هي زجرة واحدة ] أي فإنما هي صحية واحدة، ينفخ فيها في الصور للقيام من القبور
[ فإذا هم بالساهرة ] أي فإذا الخلائق جميعا على وجه الأرض بعدما كانوا في بطنها. ثم ذكر تعالى قصة موسى مع فرعون تسلية لرسول الله ﷺ وتحذيرا لقومه أن يحل بهم ما حل بالطغاة المكذبين من قوم فرعون فقال
[ هل أتاك حديث موسى ] أسلوب تشويق وترغيب لسماع القصة أي هل جاءك يا محمد خبر موسى الكليم ؟
[ إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ] أي حين ناجاه ربه بالوادي المطهر المبارك المسمى [ طوى ] في أسفل جبل طور سيناء، قائلا له
[ اذهب إلى فرعون إنه طغى ] أي إذهب إلى فرعون الطاغية الجبار، الذي جاوز الحد في الظلم والطغيان
[ فقل هل لك إلى أن تزكى ] ؟ أي هل لك رغبة وميل إلى أن تتطهر من الذنوب والآثام ؟
[ وأهديك إلى ربك فتخشى ] أي وأرشدك إلى معرفة ربك وطاعته فتتقيه وتخشاه ؟ قال الزمخشري : ذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، من خشي الله أتى منه كل خير، وبدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا ؟ وأردفه الكلام الرفيق الرقيق ليستدعيه بالتلطف، ويستنزله بالمداراة من عتوه كما في قوله تعالى [ فقولا له قولا لينا ] [ طه : ٤٤ ]
[ فأراه الآية الكبرى ] في الكلام محذوف أي فذهب موسى إليه ودعاه وكلمه، فلما امتنع عن الإيمان أراه المعجزة الكبرى، وهي قلب العصا حية تسعى قال القرطبي : أراه العلامة العظمى وهي المعجزة قال ابن عباس : هي العصا
[ فكذب وعصى ] أي فكذب فرعون نبي الله موسى، وعصى أمر الله بعد ظهور تلك المعجزة الباهرة
[ ثم أدبر يسعى ] أي ولى مدبرا هاربا من الحية، يسرع في مشيه من هول ما رأى
[ فحشر فنادى ] أي فجمع السحرة والجنود والأتباع، ووقف خطيبا في الناس
[ فقال أنا ربكم الأعلى ] أي فقال لهم بصوت عال : أنا ربكم المعبود العظيم الذي لا رب فوقي
[ فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ] أي فأهلكه الله عقوبة له على مقالته الأخيرة [ أنا ربكم الأعلى ] والأولى هي قوله [ ما علمت لكم من إله غيري ] (( هذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة، قال ابن عباس : كان بين كلمتيه الفاجرتين أربعون سنة، فأمهله الله ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر )).
[ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ] أي إن فيما ذكر من قصة فرعون وطغيانه، وما حل به من العذاب والنكال، لعظة واعتبارا لمن يخاف الله عز وجل ويخشى عقابه.. ولما انتهى الحديث عن قصة الطاغية فرعون، رجع إلى منكري البعث من كفار قريش فنبههم إلى آثار قدرته، ومظاهر عظمته وجلاله فقال


الصفحة التالية
Icon