[ أأنتم أشد خلقا أم السمآء ] ؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ والمعنى هل أنتم يا معشر المشركين أشق وأصعب خلقا أم خلق السماء العظيمة البديعة ؟ فإن من رفع السماء على عظمها، هين عليه خلقكم وإحياؤكم بعد مماتكم، فكيف تنكرون البعث ؟ قال الرازي : نبههم على أمر يعلم بالمشاهدة، وذلك لأن خلق الإنسان على صغره وضعفه، إذا أضيف إلى خلق السماء على عظمها وعظم أحوالها يسير، وإذا كان كذلك فإعادتهم سهلة فيكف ينكرون ذلك ؟ كقوله تعالى [ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ] [ غافر : ٥٧ ]
[ بناها ] أي رفعها عالية فوقكم محكمة البناء، بلا عمد ولا أوتاد، ثم زاد في التوضيح والبيان فقال
[ رفع سمكها فسواها ] أي رفع جرمها وأعلى سقفها فوقكم فجعلها مستوية لا تفاوت فيها ولا شقوق ولا فطور قال ابن كثير : أي جعلها عالية البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء
[ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ] أي جعل ليلها مظلما حالكا، ونهارها مشرقا مضيئا قال ابن عباس : أظلم ليلها وأنار نهارها
[ والأرض بعد ذلك دحاها ] أي والأرض بعد خلق السماء بسطها ومهدها لسكنى أهلها (( لا ينافي هذا القول بكروية الأرض، فإن ذلك مقطوع به حتى قال الإمام الفخر ما نصه :" كانت الأرض أولا كالكرة المجتمعة، ثم إن الله تعالى مدها وبسطها، وليس معنى ﴿دحاها﴾ مجرد البسط، بل المراد انه بسطها بسطا مهيأ لنبات الأقوات، يدل عليهه قوله :﴿أخرج منها ماءها ومرعاها﴾ والجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوي )).
[ أخرج منها مآءها ومرعاها ] أي أخرج من الأرض عيون الماء المتفجرة، وأجرى فيها الأنهار، وأنبت فيها الكلأ والمرعى مما يأكله الناس والأنعام
[ والجبال أرساها ] أي والجبال أثبتها في الأرض، وجعلها كالأوتاد لتستقر وتسكن بأهلها
[ متاعا لكم ولأنعامكم ] أي فعل ذلك كله، فأنبع العيون، وأجرى الأنهار، وأنبت الزرع والأشجار، كل ذلك منفعة للعباد وتحقيقا لمصالحهم ومصالح أنعامهم ومواشيهم، قال الرازي : أراد بمراعاها ما يأكله الناس والأنعام، بدليل قوله [ متاعا لكم ولأنعامكم ] وانظر كيف دل بقوله :[ أخرج منها مآءها ومرعاها ] على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام والأنعام من العشب، والشجر، والحب، والثمر، والعصف، والحطب، واللباس والدواء، حتى الملح والنار، فالملح متولد من الماء، والنار من الأشجار.. ولما ذكر تعالى خلق السموات والأرض، وما أبدع فيهما من عجائب الخلق والتكوين، ليقيم الدليل على إمكان الحشر عقلا، أخبر بعد ذلك عن وقوعه فعلا فقال
[ فإذا جآءت الطآمة الكبرى ] أي فإذا جاءت القيامة وهي الداهية العظمى، التي تعم بأهوالها كل شيء، وتعلو على سائر الدواهي قال ابن عباس : هي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع
[ يوم يتذكر الإنسان ما سعى ] أي في ذلك اليوم يتذكر الإنسان ما علمه من خير أو شر، ويراه مدونا في صحيفة أعماله
[ وبرزت الجحيم لمن يرى ] أي أظهرت جهنم للناظرين فرآها الناس عيانا، بادية لكل ذي بصر.. وبعد أن وصف حال القيامة وأهولها، ذكر انقسام الناس إلى فريقين : أشقياء وسعداء فقال
[ فأما من طغى ] أي جاوز الحد في الكفر والعصيان
[ وآثر الحياة الدنيا ] أي فضل الحياة الفانية على الآخرة الباقية، وانهمك في شهوات الحياة المحرمة، ولم يستعد لآخرته بالعمل الصالح
[ فإن الجحيم هي المأوى ] أي فإن جهنم المتأججة هي منزله ومأواه، لا منزل له سواها
[ وأما من خاف مقام ربه ] أي وأما من خاف عظمة ربه وجلاله، وخاف مقامه بين يدي ربه يوم الحساب، لعلمه ويقينه بالمبدأ والمعاد