[ ونهى النفس عن الهوى ] أي وزجر نفسه عن المعاصي والمحارم، وكفها عن الشهوات التي تؤدي بها إلى المعاطب
[ فإن الجنة هي المأوى ] أي فإن منزله ومصيره هي الجنة دار النعيم، ليس له منزل غيرها(( هذه الآيات الكريمة هي " الميزان الدقيق " لمعرفة الإنسان نفسه، هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار ؟ وهل هو من السعداء ام من الأشقياء ؟ فمن طغى وبغى، وآثر شهوات الحياة على طاعة ربه، فهو الشقي المعذب بالجحيم، ومن أطاع الله واتقاه، وسارع إلى مرضاة مولاه، ونهى النفس عما تهواه فهو السعيد المكرم فى دار النعيم، فليضع الانسان نفسه فى هذا الميزان، ليعرف من الآن منزله ومصيره.. اللهم اجعلنا من السعداء الأبرار، ولا تجعلنا من الأشقياء الفجار !! )).. ثم ذكر تعالى موقف المكذبين بالقيامة، المستهزئين بأخبار الساعة فقال
[ يسألونك عن الساعة أيان مرساها ] أي يسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن القيامة متى وقوعها وقيامها ؟ قال المفسرون : كان المشركون يسمعون أنباء القيامة، ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل " طامة، وصاخة، وقارعة " فيقولون على سبيل الاستهزاء : متى يوجدها الله ويقيمها، ومتى تحدث وتقع ؟ فنزلت الآية
[ فيم أنت من ذكراها ] أي ليس علمها إليك حتى تذكرها لهم، لأنها من الغيوب التي استأثر الله بعلمها، فلماذا يسألونك عنها ويلحون في السؤال ؟
[ إلى ربك منتهاهآ ] أي مردها ومراجعها إلى الله عز وجل، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين، لا يعلمه أحد سواه
[ إنمآ أنت منذر من يخشاها ] أي ما واجبك يا محمد إلا إنذار من يخاف القيامة، لا الإعلام بوقتها، وخص الإنذار بمن يخشى، لأنه هو الذي ينتفع بذلك الإنذار
[ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ] أي كأن هؤلاء الكفار يوم يشاهدون القيامة وما فيها من الأهوال، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار، بمقدار عشية أو ضحاها. قال ابن كثير : يستقصرون مدة الحياة الدنيا، حتى كأنها عندهم عشية يوم، أو ضحى يوم.. ختم تعالى السورة الكريمة، بما أقسم عليه في أولها من إثبات " الحشر، والبعث " فكان ذلك كالدليل والبرهان على مجيء القيامة والساعة، وليتناسق البدء مع الختام.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ـ الطباق بين الآخرة والأولى في قوله [ فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ] لأن المراد كلمتيه الشنيعتين الأولى والأخيرة، والطباق كذلك بين [ عشية.. وضحاها ].
٢ـ جناس الاشتقاق في قوله [ ترجف الراجفة ].
٣ـ المقابلة بين قوله [ السمآء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ] وبين [ والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مآءها ومرعاها ] وكذلك المقابلة بين [ فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ] وبين [ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ] الآيات.
٤ـ أسلوب التشويق [ هل أتاك حديث موسى ] ؟ فإن المراد منه التشويق الى معرفة القصة.
٥ـ الطباق بين [ الجنة.. الجحيم ] وبين [ السمآء.. والأرض ] الوارد في الآيات.
٦ـ التشبيه المرسل المجمل [ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ].
٧ـ الاستعارة التصريحية [ أخرج منها مآءها ومرعاها ] شبه أكل الناس برعي الأنعام، واستعير الرعي للإنسان بجامع أكل الإنسان والحيوان من النبات، ففيه استعارة لطيفة.
٨ـ توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل [ ضحاها، دحاها، مرعاها، أرساها ] وهو من المحسنات الدبيعية ويمسى السجع.