[ أما من استغنى ] أي أما من استغنى عن الله وعن الإيمان، بما له من الثروة والمال
[ فأنت له تصدى ] أي فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه، وتهتم بتبليغه دعوتك
[ وما عليك ألا يزكى ] أي ولا حرج عليك أن لا يتطهر من دنس الكفر والعصيان، ولست بمطالب بهدايته، إنما عليك البلاغ قال الألوسي : وفيه مزيد تنفير له ﷺ عن مصاحبتهم، فإن الإقبال على المدبر مخل بالمروءة كما قال القائل : والله لو كرهت كفي مصاحبتي يوما لقلت لها عن صحبتي بيني
[ وأما من جآءك يسعى ] أي وأما من جاءك يسرع ويمشي في طلب العلم لله ويحرص على طلب الخير
[ وهو يخشى ] أي وهو يخاف الله تعالى ويتقي محارمه
[ فأنت عنه تلهى ] أي فأنت يا محمد تتشاغل عنه، وتتلهى بالانصراف عنه إلى رؤساء الكفر والضلال!!
[ كلا إنها تذكرة ] أي لا تفعل بعدم اليوم مثل ذلك، فهذه الآيات موعظة وتبصرة للخلق، يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها العقلاء
[ فمن شآء ذكره ] أي فمن شاء من عباد الله اتعظ بالقرآن، واستفاد من إرشاداته وتوجهاته، قال المفسرون : كان ﷺ بعد هذا العتاب، لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبدان وكان الفقراء في مجلسه أمراء، وكان إذا دخل عليه " ابن أم مكتوم " يبسط له رداءه ويقول : مرحبا بما عاتبني فيه ربي. ثم بعد هذا البيان أخبر عن جلالة قدر القرآن فقال
[ في صحف مكرمة ] أي هو في صحف مكرمة عند الله
[ مرفوعة مطهرة ] أي عالية القدر والمكانة، منزهة عن أيدي الشياطين، وعن كل دنس ونقص
[ بأيدي سفرة ] أي بأيدي ملائكة جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله
[ كرام بررة ] أي مكرمين معظمين عند الله، أتقياء صلحاء [ لا يعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ] [ التحريم : ٦ ] ثم ذكر تعالى قبح جريمة الكافر، وإفراطه في الكفر والعصيان مع كثرة إحسان الله إليه فقال
[ قتل الإنسان مآ أكفره ] أي لعن الكافر وطرد من رحمة الله، ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه وأياديه عنده ؟ قال الألوسي : والآية دعاء عليه بأشنع الدعوات وأفظعها، وتعجيب من إفراطه في الكفر والعصيان، وهذا في غاية الإيجاز والبيان
[ من أي شيء خلقه ] أي من أي شيء خلق الله هذا الكافر حتى يتكبر على ربه ؟ ثم وضح ذلك فقال
[ من نطفة خلقه فقدره ] أي من ماء مهين حقير بدأ خلقه، فقدره في بطن أمه أطوارا من نطفة ثم من علقة إلى أن تم خلقه قال ابن كثير : قدر رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد
[ ثم السبيل يسره ] أي ثم سهل له طريق الخروج من بطن أمه قال الحسن البصري : كيف يتكبر من خرج من سبيل البول مرتين ؟ يعني الذكر والفرج
[ ثم أماته فأقبره ] أي ثم أماته وجعل له قبرا يوارى فيه إكراما له، ولم يجعله ملقى للسباع والوحوش والطيور قال الخازن : وهذه تكرمة لبني آدم على سائر الحيوانات
[ ثم إذا شآء أنشره ] أي ثم حين يشاء الله إحياءه، يحييه بعد موته للبعث والحساب والجزاء، وإنما قال [ إذا شآء ] لأن وقت البعث غير معلوم لأحد، فهو إلى مشيئة الله تعالى، متى شاء أن يحيي الخلق أحياهم
[ كلا لما يقض مآ أمره ] أي ليرتدع وينزجر هذا الكافر عن تكبره وتجبره، فإنه لم يؤد ما فرض عليه، ولم يفعل ما كلفه به ربه من الإيمان والطاعة.. ولما ذكر خلق الإنسان، ذكر بعده رزقه، ليعتبر بما أغدق الله عليه من أنواع النعم، فيشكر ربه ويطيعه فقال
[ فلينظر الإنسان إلى طعامه ] أي فلينظر هذا الإنسان الجاحد نظر تفكر واعتبار، إلى أمر حياته، كيف خلقه بقدرته، ويسره برحمته، وكيف هيأ له أسباب المعاش، وخلق له الطعام الذي به قوام حياته ؟! ثم فصل ذلك فقال
[ أنا صببنا المآء صبا ] أي أنا بقدرتنا أنزلنا الماء من السحاب على الأرض إنزالا عجيبا


الصفحة التالية
Icon