سورة الغاشية
مكية وآياتها ست وعشرون آية
بين يدي السورة
* سورة الغاشية مكية، وقد تناولت موضوعين أساسيين وهما :
١ - القيامة وأحوالها وأهوالها، وما يلقاه الكافر فيها من العناء والبلاء، وما يلقاه المؤمن فيها من السعادة والهناء [ هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية الآيات
٢ - الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين، وقدرته الباهرة، في خلق الإبل العجيبة والسماء البديعة، والجبال المرتفعة، والأرض الممتدة الواسعة، وكلها شواهد على وحدانية الله وجلال سلطانه [ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ] الآيات.
* وختمت السورة الكريمة بالتذكير برجوع الناس جميعا إلى الله سبحانه للحساب والجزاء
اللغة :
[ الغاشية ] القيامة تغشى الناس بأهوالها
[ خاشعة ] ذليلة خاضعة
[ ناصبة ] من النصب وهو التعب
[ ضريع ] شيء في النار كالشوك مر منتن
[ ناعمة ] ذات حسن وبهجة ونضارة
[ نمارق ] وسائد ومرافق يتكأ عليها جمع نمرقة قال زهير : كهولا وشبانا حسانا وجوههم على سرر مصفوفة ونمارق
[ زرابي ] بسط فاخرة جمع زريبة وقال الفراء : هي الطنافس التي لها خمل رقيق،
[ مبثوثة ] مفرقة في المجالس
[ إيابهم ] رجوعهم.
التفسير :
[ هل أتاك حديث الغاشية ] الاستفهام للتشويق الى استماع الخبر، وللتنبيه والتفخيم لشأنها أي هل جاءك يا محمد خبر الداهية العظيمة التي تغشى الناس وتعمهم بشدائدها وأهوالها، وهي القيامة ؟ قال المفسرون : سميت غاشية لأنها تشغى الخلائق بأهوالها وشدائدها، وتعمهم بما فيها من المكاره والكوارث العظيمة
[ وجوه يومئذ خاشعة ] أي وجوه في ذلك اليوم ذليلة خاضعة مهينة
[ عاملة ناصبة ] أي دائبة العمل فيما يتعبها ويشقيها في النار قال المفسرون : هذه الآية في الكفار، يتعبون ويشقون بسبب جر السلاسل والأغلال، وخوضهم في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط في تلالها ودركاتها كما قال تعالى [ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ] [ غافر : ٧١ـ٧٢ ] وهذا جزاء تكبرهم في الدنيا عن عبادة الله، وانهماكهم في اللذات والشهوات
[ تصلى نارا حامية ] أي تدخل نارا مسعرة شديدة الحر قال ابن عباس : قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله
[ تسقى من عين آنية ] أي تسقى من عين متناهية الحرارة، وصل حرها وغليانها درجة النهاية
[ ليس لهم طعام إلا من ضريع ] أي ليس لأهل النار طعام إلا الضريع وهو نبت ذو شوك تسمية قريش " الشبرق " وهو أخبث طعام وأبشعه وهو سم قاتل قال قتادة : هو شر الطعام وأبشعه وأخبثه.. ذكر تعالى هنا أن طعامهم الضريع
[ ليس لهم طعام إلا من ضريع ] وقال في الحاقة [ ولا طعام إلا من غسلين ] [ الحاقة : ٣٦ ] ولا نافي بينهما، لأن العقاب ألوان، والمعذبون أنواع، فمنهم من يكون طعامه الزقوم، ومنهم من يكون طعامه الضريع، ومنهم من يكون طعامه الغسلين، وهكذا يتنوع العذاب
[ لا يسمن ولا يغني من جوع ] أي لا يفيد القوة والسمن في البدن، ولا يدفع الجوع عن آكله قال أبو السعود : أي ليس من شأنه الإسمان والإشباع، كما هو شأن طعام الدنيا، وقد روي أنه يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم إلى أكل الضريع، فإذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم إلى شرب الحميم، فيشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم [ وسقوا مآء حميما فقطع أمعآءهم ] [ محمد : ١٥ ].. ولما ذكر حال الأشقياء أهل النار، أتبعه بذكر حال السعداء أهل الجنة فقال
[ وجوه يومئذ ناعمة ] أي وجوه المؤمنين يوم القيامة ناعمة ذات بهجة وحسن، وإشراق ونضارة كقوله تعالى [ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ] [ المطفيين : ٣٤ ]


الصفحة التالية
Icon