[ ووالد وما ولد ] أي وأقسم بآدم وذريته الصالحين قال مجاهد : الوالد آدم عليه السلام [ وما ولد ] جميع ذريته قال ابن كثير : وما ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي، لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي المساكن، أقسم بعده بالساكن وهو " آدم " أبو البشر وولده وقال الخازن : أقسم الله تعالى بمكة لشرفها وحرمتها، وبآدم وبالآنبياء والصالحين من ذريته، لأن الكافر ـ وإن كان من ذريته ـ لا حرمة له حتى يقسم به
[ لقد خلقنا الإنسان في كبد ] هذا هو المقسم عليه أي لقد خلقنا الإنسان في تعب ومشقة، فإنه لا يزال يقاسي أنواع الشدائد، من وقت نفخ الروح فيه إلى حين نزعها منه قال ابن عباس :[ في كبد ] أي في مشقة وشدة، من حمله، وولادته، ورضاعه، وفطامه، ومعاشه، وحياته، وموته، وأصل الكبد : الشدة، وقيل : لم يخلق الله خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق قال أبو السعود : والآية تسلية لرسول الله ﷺ مما كان يكابده من كفار مكة.. ثم أخبر تعالى عن طبيعة الإنسان الجاحد بقدرة الله، والمكذب للبعث والنشور فقال
[ أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ] أي أيظن هذا الشقي الفاجر، المغتر بقوته، أن الله تعالى لا يقدر عليه لشدته وقوته ؟ قال المفسرون : نزلت في " أبي الأشد بن كلدة " كان شديدا مغترا بقوته، وكان يبسط له الأديم ـ الجلد ـ فيوضع تحت قدميه، ويقول : من أزالني عنه فله كذا، فيجذبه عشرة فيتقطع قطعا ولا تزل قدماه، ومعنى الآية : أيظن هذا القوي المارد، المستضعف للمؤمنين، أنه لن يقدر على الانتقام منه أحد ؟
[ يقول أهلكت مالا لبدا ] أي يقول هذا الكافر : أنفقت مالا كثيرا في عداوة محمد ﷺ قال الألوسي : أي يقول فخرا ومباهاة على المؤمنين : أنفقت مالا كثيرا، وأراد بذلك ما أنفقه " رياء وسمعة " وعبر عن الإنفاق بالإهلاك، إظهارا لعدم الاكتراث، وأنه لم يفعل ذلك رجاء نفع، فكأنه جعل المال الكثير ضائعا، وقيل يقول ذلك إظهارا لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[ أيحسب أن لم يره أحد ] ؟ أي أيظن أن الله تعالى لم يره حين كان ينفق، ويظن أن أعماله تخفى على رب العباد ؟ ليس الأمر كما يظن، بل إن الله رقيب مطلع عليه، سيسأله يوم القيامة ويجازيه عليه.. ثم ذكره تعالى بنعمه عليه ليعتبر ويتعظ فقال
[ ألم نجعل له عينين ] أي ألم نجعل له عينين يبصر بهما ؟
[ ولسانا ] أي ولسانا ينطق به فعيبر ما في ضميره ؟
[ وشفتين ] أي وشفتين يطبقهما على فمه، ويستعين بهما على الأكل والشرب والنفخ وغير ذلكظ قال الخازن : يريد أن نعم الله على عبده متظاهرة، يقرره بها كي يشكره
[ وهديناه النجدين ] أي وبينا له طريق الخير والشر، والهدى والضلال، ليسلك طريق السعادة، ويتجنب طريق الشقاوة قال ابن مسعود :[ النجدين ] الخير والشر كقوله تعالى [ إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ] [ الإنسان : ٣ ]
[ فلا اقتحم العقبة ] أي فهلا أنفق ماله في اجتياز العقبة الكئود، بدل أن ينفقه في عداوة محمد ﷺ ؟! قال في البحر : والعقبة استعارة للعمل الشاق على النفس، من حيث فيه بذل المال، تشبيها لها بعقبة الجبل وهو ما صعب منه وقت الصعود، فإنه يلحقه مشقة في سلوكها، ومعنى اقتحامها دخلها بسرعة وشدة، وهو مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس، والهوى، والشيطان، حتى ينال رضى الرحمن
[ ومآ أدراك ما العقبة ] أي وما أعلمك ما اقتحام العقبة ؟ وفيه تعظيم لشأنها وتهويل.. ثم فسرها تعالى بقوله
[ فك رقبة ] أي هي عتق الرقبة في سبيل اله، وتخليص صاحبها من الأسر والرق، فمن أعتق رقبة كانت له فداء من النار