[ وأعد لهم عذابا مهينا ] أي وهيأ لهم عذابا شديدا، بالغ الغاية فى الإهانة والتحقير
[ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ] أي يؤذون أهل الإيمان بغير ما فعلوه، وبغير جناية واستحقاق للأذى
[ فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ] أي فقد حملوا أنفسهم البهتان والكذب، والزور، والذنب الواضح الجلى، قال القرطبي : أطلق إيذاء الله ورسوله، وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات بقوله [ بغير ما اكتسبوا ]، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبدا، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ومنه ولما حرم تعالى الإيذاء، أمر نبيه الكريم أن يوجه النداء إلى الأمة جمعاء، للتمسك بالإسلام وتعاليمه الرشيدة، وبالأخص فى أمر اجتماعي خطير وهو " الحجاب " الذي يصون للمرأة كرامتها، ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة، والكلمات اللاذعة، والنوايا الخبيثة، لئلا تتعرض لأذى الفساق فقال سبحانه :
[ يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ] أي قل يا أيها الرسول لزوجاتك الطاهرات - أمهات المؤمنين - وبناتك الفضليات الكريمات، وسائر نساء المؤمنين، قل لهن يلبسن الجلباب الواسع، الذي يستر محاسنهن وزينتهن، ويدفع عنهن ألسنة السوء، ويميزهن عن صفات نساء الجاهلية، روى الطبري : عن ابن عباس انه قال في هذه الآية : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة (( هذا النص عن ابن عباس صريح في وجوب ستر الوجه، وكذا رواية ابن كثير عن محمد بن سيرين، وغيرهما من الروايات الصحيحة والصريحة بوجوب ستر المرأة للوجه، فأين أقوال السلف الصالح وأئمة علماء التفسير الأجلاء، من أقوال أدعياء العلم في هذا العصر والزمان، الذي يبيحون للمرأة أن تكشف وجهها أمام الأجانب ! ! ))، وروى ابن كثير عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل [ يدنين عليهن من جلابيبهن ] فغطى وجهه ورأسه، وأبرز عينه اليسرى
[ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ] أي ذلك التستر أقرب بأن يعرفن بالعفة والتستر والصيانة، فلا يطمع فيهن أهل السوء والفساد، وقيل : أقرب بأن يعرفن أنهن حرائر، ويتميزن عن الإماء
[ وكان الله غفورا رحيما ] أي إنه تعالى غفور لما سلف منهن من تفريط، رحيم بالعباد حيث راعى مصالحهم وشئونهم في تلك الجزئيات.. ثم هدد المولى جل وعلا كل المؤذين من جميع الأصناف بأنواع العقاب، فقال سبحانه :
[ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ] أي لئن لم يترك هؤلاء المنافقون - الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر - نفاقهم، والزناة - الذين في قلوبهم مرض الفجور - فجورهم
[ والمرجفون في المدينة ] أي الذين ينشرون الأراجيف والأكاذيب لبلبلة الأفكار، وخلخلة الصفوف، ونشر أخبار السوء
[ لنغرينك بهم ] أي لنسلطنك عليهم يا محمد
[ ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ] أي ثم يخرجون من المدينة فلا يعودون إلى مجاورتك فيها إلا زمنا قليلا، ريثما يتأهبوا للخروج، قال الرازي : وعد الله نبيه أن يخرج أعداءه من المدينة، وينفيهم على يده، إظهارا لشوكته
[ ملعونين ] أي مبعدين عن رحمته تعالى
[ أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ] أي أينما وجدوا وأدركوا، أخذوا على وجه الغلبة والقهر، ثم قتلوا لكفرهم بالله تقتيلا
[ سنة الله في الذين خلوا من قبل ] أي هذه سنة الله في المنافقين، وعادته فيمن سبق منهم أن يفعل بهم ذلك، قال القرطبي : أي سن الله عز وجل فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يوخذ ويقتل


الصفحة التالية
Icon