[ خلق الإنسان من علق ] أي خلق هذا الانسان البديع الشكل، الذي هو أشرف المخلوقات، من العلقة - وهي الدودة الصغيرة - وقد أبت الطب الحديث أن المني الذي خلق منه الإنسان، محتو على حيوانات وديدان صغيرة لا ترى بالعين، وإنما ترى بالمجهر الدقيق - الميكرسكوب - وأن لها رأسا وذنبا، تسمى (الحيوانات المنوية)، فتبارك الله أحسن الخالقين قال القرطبي : خص الإنسان بالذكر تشريفا له، والعلقة قطعة من شيء رطب، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه
[ إقرأ وربك الأكرم ] أي إقرأ يا محمد وربك العظيم الكريم، الذي لا يساويه ولا يدانيه كريم، وقد دل على كمال كرمه، أنه علم العباد ما لم يكونوا يعرفونه، من أنواع العلوم والمعارف
[ الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ] أي الذي علم الخط والكتابة بالقلم، وعلم البشر ما لم يكونوا يعرفونه، فنقلهم من ظلمة الجهل، إلى نور العلم، فكما علم سبحانه بواسطة الكتابة بالقلم، فإنه يعلمك بلا واسطة، وإن كنت أميا لا تقرأ ولا تكتب، قال القرطبي : نبه تعالى على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إنسان، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولاها ما استقامت أمور الدنيا والدين.. وهذه الآيات الخمس هي أول ما تنزل من القرآن، على خاتم الأنبياء والمرسلين، كما ثبت في الصحاح أن النبي (ص) نزل عليه الملك، وهو يتعبد بغار حراء، فقال : إقرأ، فقال : ما أنا بقارىء.. إلخ (( أخرجه الشيخان عن عائشة قالت :" أول ما بدىء به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث - أي يتعبد - فيه الليالي ذوات العدد... " الحديث )). قال ابن كثير : أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات المباركات، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الهأ بها عليهم، وفيها التنبيه على إبتداء خلق الإنسان من علقة، وإن من كرمه تعالى أنه علم الإنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به " آدم " على الملائكة.. ثم أخبر تعالى عن سبب بطر الإنسان وطغيانه، فقال سبحانه
[ كلا إن الإنسان ليطغى ] أي حقا إن الإنسان ليتجاوز الحد في الطغيان، وإتباع هوى النفس، ويستكبر على ربه عز وجل
[ أن رآه استغنى ] أي من أجل أن رأى نفسه غنيا، وأصبح ذا ثروة ومال، أشر وبطر، ثم توعده وتهدده بقوله
[ إن إلى ربك الرجعى ] أي إلى ربك - أيها الإنسان - المرجع والمصير، فيجازيك على أعمالك، وفي الآية تهديد وتحذير لهذا الإنسان، من عاقبة الفجور والطغيان، ثم هو عام لكل طاغ متكبر، قال المفسرون : نزلت هذه الآيات إلى آخر السورة في " أبي جهل " بعد نزول صدر السورة بمدة طويلة، وذلك أن أبا جهل كان يطغى بكثرة ماله، ويبالغ في عداوة الرسول (ص)، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب
[ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) تعجيب من حال ذلك الشقي الفاجر، أي أخبرني يا محمد عن حال ذلك المجرم الأثيم، الذي ينهى عبدا من عباد الله عن الصلاة، ما أسخف عقله، وما أشنع فعله قال أبو السعود : هذه الآية تقبيح وتشنيع لحال الطاغي، وتعجيب منها، وإيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يقضى منها العجب، وقد أجمع المفسرون على أن العبد المصلي هو " محمد " (ص) وأن الذي نهاه هو اللعين " أبو جهل " حيث قال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه
[ أرأيت إن كان على الهدى ] أي أخبرني إن كان هذا العبد المصلي - وهو النبى (ص) - الذي تنهاه عن الصلاة صالحا مهتديا، على الطريقة المستقيمة في قوله وفعله