سورة التكاثر
مكية وأياتها ثمان أيات
بين يدي السورة
* سورة التكاثر مكية، وهي تتحدث عن انشغال الناس بمغريات الحياة، وتكالبهم على جمع حطام الدنيا، حتى يقطع الموت عليهم متعتهم، ويأتيهم فجأة وبغتة، فينقلهم من القصور إلى القبور. الموت يأتي بغتة والقبرصندوق العمل، وقد تكرر في هذه السورة (الزجر والإنذار) تخويفا للناس، وتنبيها لهم على خطئهم، باشتغالهم بالفانية عن البافية [ كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون ].
* وختمت السورة الكريمة ببيان المخاطر والأهوال التي سيلقونها في الآخرة، والتي لا يجوزها ولا ينجو منها إلا المؤمن، الذي قدم صالح الأعمال.
اللغة :
[ ألهاكم ] الإلهاء : الشغل والانصراف عن الشيء الهام إلى ما يدعو إليه الهوى، وأصل اللهو الغفلة ثم شاع في كل شاغل، قال الراغب : اللهو ما يشغلك عما يعني ويهم (التكاثر ] التباهي بكثرة المال والجاه وهو بمعنى المكاثرة
[ المقابر ] القبور جمع مقبرة، والقبور جمع القبر، قال الشاعر : أرى أهل القصور إذا أميتوا بنؤافوق المقابر بالصخور أبوا إلا مباهاة وفخرا على الفقراء حتى فى القبور.
التفسير :
[ ألهاكم التكاثر ] أي شغلكم أيها الناس التفاخر بالأموال والأولاد والأحساب عن طاعة الله، وعن الاستعداد للآخرة
[ حتى زرتم المقابر ] أي حتى أدرككم الموت، ودفنتم في المقابر، والجملة خبر يراد به الوعظ والتوبيخ، قال القرطبي : المعنى شغلكم المباهاة بكثرة المال والأولاد عن طاعة الله، حتى متم ودفنتم في المقابر (( وقال ابن كثير : يقول تعالى : شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها، عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت، وزرتم المقابر وصرتم من أهلها )).
[ كلا سوف تعلمون ] زجز وتهديد أي ارتدعوا أيها الناس، وانزجروا عن الإشتغال بما لا ينفع ولا يفيد، فسوف تعلمون عاقبة جهلكم، وتفريطكم في جنب الله، وإشغالكم بالفاني عن البافي ؟
[ ثم كلا سوف تعلمون ] وعيد إثر وعيد، زيادة في الزجر والتهديد أي سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم، إذا نزل بكم الموت، وعانيتم أهواله وشدائده، قال ابن عباس :(كلا سوف تعلمون ] ما ينزل بكم من العذاب في القبر [ ثم كلا سوف تعلمون ] أي في الآخرة إذا حل بكم العذاب
[ كلا لو تعلمون علم اليقين ] أي ارتدعوا وانزجروا فلو علمتم العلم الحقيقي، الذي لا شك فيه ولا امتراء، وجواب [ لو ] محذوف لقصد التهويل أي لو عرفتم ذلك، لما ألهاكم التكاثر بالدنيا عن طاعة اله، ولما خدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها ؟ كما قال (ص) " لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " الحديث، قال في التسهيل : وجواب [ لو ] محذوف تقديره : لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة، وإنما حذف لقصد التهويل، فيقدر السامع أعظم ما يخطر بباله كقوله تعالى [ ولو ترى إذ وقفوا على النار ]
[ لترون الجحيم ] أي أقسم وأوكد بأنكم ستشاهدون الجحيم، عيانا ويقينا، قال الألوسي : هذا جواب قسم مضمر، أكد به الوعيد، وشدد به التهديد، وأوضح به ما أنذروه بعد إبهامه تفخيما أي والله لترون الجحيم
[ ثم لترونها عين اليقين ] أي ثم لترونها رؤية حقيقة بالمشاهدة العينية، قال في البحر : زاد التوكيد بقوله [ عين اليقين ] نفيا لتوهم المجاز في الرؤية الأولى
[ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ] أي ثم لتسألن في الآخرة عن نعيم الدنيا، من الأمن والصحة، وسائر ما يتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومركب، ومفرش، اللهم أرزقنا شكر نعمك يا رب العالمين.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان كالآتي :
١-الوعظ والتوبيخ [ ألهاكم التكاثر ] فقد خرج الخبر عن حقيقته إلى معنى التذكير والتوبيخ.