[ إنكم لفي خلق جديد ] ؟ أي إنكم ستخلقون خلقا جديدا، بعد ذلك التمزيق والتفريق ؟ والغرض من هذا المقال هو السخرية والإستهزاء، قال ابو حيان : والقائلون هم كفار قريش، قالوه على جهة التعجب والاستهزاء، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه : هل أدلك على قصة غريبة نادرة ؟ ولما كان البعث عندهم من المحال جعلوا من يخبر عن وقوعه، في حيز من يتعجب منه، ونكروا اسمه عليه [ هل ندلكم على رجل ] مع أن اسمه أشهر علم في قريش بطريق الاستهزاء
[ أفترى على الله كذبا أم به جنة ] أي هل اختلق الكذب على الله ؟ أم به جنون فهو يتكلم بما لا يدري ؟ قال تعالى ردا عليهم :
[ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة ] " بل " للإضراب أي ليس الأمر كما يزعمون من الكذب والجنون، " الذين لا يؤمنون بالآخرة " أي الذين يجحدون البعث ولا يصدقون بالآخرة
[ في العذاب والضلال البعيد ] أي بل هؤلاء الكفار في ضلال وحيرة عن الحق، توجب لهم عذاب النار، فهم واقعون في الضلال وهم لا يشعرون، وذلك غاية الجنون والحماقة.. ولما ذكر تعالى ما يدل على إثبات الساعة، ذكر دليلا آخر يتضمن التوحيد مع التهديد فقال سبحانه :
[ أفلم يروآ إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ] أي ألم يشاهدوا ما هو محيط بهم، من جميع جوانبهم من السماء والأرض ؟ فإن الإنسان أينما توجه وحيثما نظر، رأى السماء والأرض أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله، وهما يدلان على وحدانية الصانع، أفلا يتدبرون ذلك فيعلمون أن الذي خلقهما قادر على بعث الناس بعد موتهم ؟ ثم هددهم بقوله :
[ إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ] أي لو شئنا لخسفنا بهم الأرض كما فعلنا بقارون، أو أسقطنا عليهم قطعا من السماء، كما فعلنا بأصحاب الأيكة، فمن أين لهم المهرب ؟ قال ابن الجوزى : المعنى أنهم أين كانوا، فأرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت بهم الأرض، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من السماء
[ إن في ذلك لأية لكل عبد منيب ] أي إن فيما يشاهدون من آثار القدرة والوحدانية، لدلالة وعبرة لكل عبد تائب رجاع إلى الله، متامل فيما يرى! ! قال ابن كثير : يريد أن من قدر على خلق هذه السموات، في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها، قادر على إعادة الأجسام، ونشر الرميم من العظام.. ثم ذكر تعالى قصة داود وما خصه الله به من الفضل العظيم، فقال سبحانه :
[ ولقد آتينا داود منا فضلا ] اللام موطنة لقسم محذوف تقديره : وعزة الله وجلاله، لقد أعطينا داود منا فضلا عظيما واسعا لا يقدر، قال المفسرون : الفضل هو النبوة، والزبور، وتسخير الجبال، والطير، وإلانة الحديد، وتعليمه صنع الدروع إلى غير ذلك
[ يا جبال أوبي معه والطير ] أي وقلنا يا جبال سبحي معه ورجعي التسبيح إذا سبح، وكذلك أنت يا طيور، قال ابن عباس : كانت الطير تسبح معه إذا سبح، وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته، وبكت لبكائه
[ وألنا له الحديد ] أي جعلنا الحديد لينا بين يديه، حتى كان كالعجين، قال قتادة : سخر الله الحديد فكان لا يحتاج أن يدخله نارا، ولا يضربه بمطرقة، وكأن بين يديه كالشمع والعجين
[ أن اعمل سابغات ] أي اعمل منه الدروع السابغة، التي تقي الإنسان شر الحرب، قال المفسرون : كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، ويصنع الدرع فى بعض يوم يساوي ألف درهم فيأكل ويتصدق، والسابغات صفة لموصوف محذوف تقديره دروعا سابغات، وهي الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه، فيجزها على الأرض