[ ما لبثوا في العذاب المهين ] أي ما مكثوا في الأعمال الشاقة تلك المدة الطويلة، قال المفسرون : كانت الإنس تقول : إن الجن يعلمون الغيب الذي يكون في المستقبل، فوقف سليمان في محرابه يصلي متوكئا على عصاه، فمات ومكث على ذلك سنة، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته، حتى أكلت الأرضة عصا سليمان فسقط على الأرض، فعلموا موته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب، لأنهم لو علموه لما أقاموا هذه المدة الطويلة في الأعمال الشاقة، وهم يظنون أنه حي، وهو عليه السلام ميت فد فارق الحياة.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان نوجزها فيما يلي :
١ - تعريف الطرفين لإفادة الحصر [ الحمد لله ] ومعناه لا يستحق الحمد الكامل إلا الله.
٢ - الطباق بين [ يلج.. ويخرج ] وبين [ ينزل.. ويعرج ] وبين [ أصغر.. وأكبر ].
٣- صيغة فعيل وفعول للمبالغة [ وهو الحكيم الخبير ] [ وهو الرحيم الغفور ] [ وقليل من عبادي الشكور ].
٤ - المقابلة بين [ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. ] الآية وبين [ والذين سعوا في آياتنا معاجزين ] فقد جعل المغفرة والرزق الكريم جزاء المحسنين، وجعل العذاب والرجز الأليم جزاء المجرمين.
٥ - الاستفهام للسخرية والاستهزاء [ هل ندلكم على رجل ينبئكم ] وغرضهم الاستهزاء بالرسول ولم يذكروا اسمه إمعانا فى التجهيل كأنه إنسان مجهول.
٦ - التنكير للتفخيم [ آتينا داود منا فضلا ] أي فضلا عظيما، وتقديم داود على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر.
٧ - الإيجاز بالحذف [ غدوها شهر ورواحها شهر ] أي غدوها مسيرة شهر ورواحها مسيرة شهر.
٨ - التشبيه [ وجفان كالجواب ] وسمى التشبيه المرسل المجمل لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.
قال الله تعالى :[ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية.. ] إلى قوله [ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ] من آية (١٥ ) إلى نهاية آية (٣٣).
المناسبة :
لما بين تعالى حال الشاكرين لنعمه بذكر " داود " و " سليمان " بين حال الكافرين لأنعمه بقصة سبأ، موعظة لقريش وتحذيرا وتنبيها على ما حدث وجرى من المصائب والنكبات، على من كفر بأنعم الله، ثم ذكر كفار مكة بنعمه ليعبدوه ويشكروه.
اللغة :
[ سبأ ] قبيلة من العرب سكنت اليمن سميت باسم جدهم " سبأ بن يشجب بن قحطان "
[ العرم ] الحاجز بين الشيئين، قال النحاس : وما يجتمع من مطر بين جبلين وفي وجهه مسناة - أي حاجز - فهو العرم
[ خمط ] الخمط : المر البشع، قال الزجاج : كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله فهو خمط، وقال المبرد : هو كل ما تغير إلى ما لا يشتهى، واللبن إذا حمض فهو خمط
[ أثل ] الأثل : شجر لا ثمر له، قال الفراء : وهو شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولا ومنه اتخذ منبر رسول الله (ص) والواحدة أثلة
[ سدر ] قال الفراء : هو السرو، وقال الأزهري : السدر نوعان : سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول، وله ثمرة عصفة لا تؤكل، وسدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول
[ ظهير ] معين
[ الفتاح ] القاضي والحاكم بالحق.
التفسير :
[ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية ] اللام موطئة للقسم أي والله لقد كان لقوم سبأ في موضع سكناهم باليمن، آية عظيمة دالة على الله جل وعلا وعلى قدرته على مجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء باساءته، فإن قوم سبأ لما كفروا نعمة الله، خرب الله ملكهم، وشتت شملهم، ومزقهم شر ممزق، وجعلهم عبرة لمن يعتبر! ! ثم بين تعالى وجه تلك النعمة فقال :


الصفحة التالية
Icon