[ جنتان عن يمين وشمال ] أي حديقتان عظيمتان فيهما من كل أنواع الفواكه والثمار، عن يمين الوادي بساتين ناضرة، وعن شماله كذلك، قال قتادة : كانت بساتينهم ذات أشجار وثمار، تظلل الناس بظلالها، وكانت المرأة تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل، فيتساقط من الأشجار ما يملؤه، من غير كلفة ولا قطاف لكثرته ونضجه وقال البيضاوي : ولم يرد بستانين اثنين فحسب، بل أراد جماعتة من البساتين، جماعة عن يمين بلدهم، وجماعة عن شماله، سميت كل جماعة منها جنة، لكونها في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة
[ كلوا من رزق ربكم واشكروا له ] أي وقلنا لهم على لسان الرسل : كلوا من فضل الله وإنعامه، واشكروا ربكم على هذه النعم
[ بلدة طيبة ورب غفور ] أي هذه بلدتكم التى تسكنونها بلدة طيبة، كريمة التربة، حسنة الهواء، كثيرة الخيرات، وربكم الذي رزقكم وأمركم بشكره، رب غفور لمن شكره
[ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ] أي فأعرضوا عن طاعة الله وشكره، واتباع أوامر رسله، فأرسلنا عليهم السيل المدمر المخرب، الذي لا يطاق لشدته وكثرته، فغرق بساتينهم ودورهم، قال الطبري : وحين أعرضوا عن تصديق الرسل، ثقب ذلك السد الذي كان يحبس عنهم السيول، ثم فاض الماء على جناتهم فغرقها، وخرب أرضهم وديارهم
[ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ] أي وأبدلناهم بتلك البساتين الغناء، بساتين قاحلة جرداء، ذات أكل مر بشع
[ وأثل وشىء من سدر قليل ] وشىء من الأشجار التي لا ينتفع بثمرها، كشجر الأثل والسدر، قال الرازي : أرسل الله عليهم سيلا غرق أموالهم، وخرب دورهم، والخمط كل شجرة لها شوك وثمرتها مرة، والأثل نوع من الطرفاء، ولا يكون عليه ثمرة إلا في بعض الأوقات، يكون عليه شيء كالعفص، أو أصغر منه في طعمه وطبعه، والسدر معروف وقال فيه :[ قليل ] لأنه كان أحسن أشجارهم، وقد بين تعالى بالآية طريقة الخراب، وذلك لأن البساتين التي فيها الناس تكون فيها الفواكه الطيبة بسبب العمارة، فإذا تركت سنين تصبح كالغيضة والأجمة، تلتف الأشجار بعضها ببعض، ولنبت المفسدات فيها، فتقل الثمار وتكثر الأشجار قال المفسرون : وتسمية البدل " جنتين " فيه ضرب من التهكم، لأن الأثل والسدر وما كان فيه خمط لا يسمى جنة، لأنها أشجار لا يكاد ينتفع بها، وإنما جاء التعبير على سبيل المشاكلة
[ ذلك جزيناهم بما كفروا ] أي ذلك الجزاء الفظيع الذي عاقبناهم به إنما كان بسبب كفرهم
[ وهل نجازي إلا الكفور ] ؟ أي وما نجازي بمثل هذا الجزاء الشديد إلا الكافر المبالغ في كفره، قال مجاهد : أي ولا يعاقب إلا الكفور، لأن المؤمن يكفر الله عنه سيئاته، والكافر يجازي بكل سوء عمله
[ وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة ] هذا من تتمة ذكر ما أنعم الله به عليهم، أي وجعلنا بين (بلاد سبأ) وبين (القرى الشامية) التي باركنا فيها للعالمين قرى متواصلة من اليمن إلى الشام، يرى بعضها من بعض لتقاربها، ظاهرة لأبناء السبيل
[ وقدرنا فيها السير ] أي جعلنا السير بين قراهم وبين قرى الشام سيرا مقدرا من منزل إلى منزل، ومن قرية إلى قرية
[ سيروا فيها ليالي وأياما أمنين ] أي وقلنا لهم سيروا يبن هذه القرى متى شئتم، لا تخافون في ليل ولا في نهار، قال الزمخشري : كان الغادي منهم يقيل في قرية، والرائح يبيت في قرية إلى أن يبلغ الشام، لا يخاف جوعا ولا عطشا ولا عدوا، ولا يحتاج الى حمل زاد ولا ماء، وكانوا يسيرون آمنين لا يخافون شيئا