[ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ] إخبار بما قابلوا به النعم من الكفران، أي إنهم حين بطروا النعمة، وملوا العافية، وسئموا الراحة، طلبوا من الله أن يباعد بين قراهم المتصلة، ليمشوا في المفاوز، ويتزودوا للأسفار، فعجل الله إجابتهم، بتخريب تلك القرى وجعلها مفاوز قفارا
[ وظلموا أنفسهم ] أي وظلموا أنفسهم بكفرهم وجحودهم النعمة
[ فجعلناهم أحاديث ] أي جعلناهم أخبارا تروى للناس بعدهم
[ ومزقناهم كل ممزق ] أي وفرقناهم في البلاد شذر مذر
[ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ] أي إن فيما ذكر من قصتهم لعبرا وعظات لكل عبد صابر على البلاء، شاكر في النعماء! ! والمقصود من ذكر قصة سبأ تحذير الناس من كفران النعمة، لئلا يحل بهم ما حل بمن قبلهم، ولهذ أصبحت قصتهم يضرب بها المثل، فيقال :" ذهبوا أيدي سبأ " ثم ذكر تعالى سبب ضلال المشركين، فقال سبحانه :
[ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ] أي تحقق ظن إبليس اللعين في هؤلاء الضالين، حيث ظن إنه يستطيع أن يغويهم بتزيين الباطل لهم، وأقسم بقوله :[ لأغوينهم أجمعين ] فتحقق ما كان يظنه، قال مجاهد : ظن ظنا فكان كما ظن فصدق ظنه
[ فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ] أي فاتبعه الناس فيما دعاهم إليه من الضلالة، إلا فريقا هم المؤمنون، فإنهم لم يتبعوه، قال القرطبي : أي ما سلم من المؤمنين إلا فريق، وعن ابن عباس أنهم المؤمنون كلهم فتكون [ من ] على هذا للتبيين لا للتبعيض، وإنما علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب، لأنه لما نفذ له في آدم ما نفذ، غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته، وقد وقع له تحقيق ما ظن
[ وما كان له عليهم من سلطان ] أي وما كان لإبليس تسلط واستيلاء عليهم، بالوسوسة والإغواء
[ إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ] أي إلا لحكمة جليلة، وهي أن نظهر علمنا للعباد، بمن هو مؤمن مصدق بالآخرة، ومن هو شاك مرتاب في أمرها، فنجازي كلا بعمله، قال القرطبي : أي لم يقهرهم إبليس على الكفر، وإنما كان منه الدعاء والتزيين وقال الحسن : والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كان إلا غرورا وأماني دعاهم إليها فأجابوه
[ وربك على كل شيء حفيظ ] أي وربك يا محمد على كل شىء رقيب، لا تخفى عليه خافية من أفعال العباد، فهو الذي يحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نياتهم وأحوالهم، قال الصاوي : الشيطان سبب الإغواء لا خالق الإغواء، فمن أراد الله حفظه منع الشيطان عنه، ومن أراد إغواءه سلط عليه الشيطان، والكل فعل الله تعالى، وإنما سبقت حكمته بتسليط الشيطان على الإنسان، ابتلاء وامتحانا ليميز الله الخبيث من الطيب، والمراد بقوله :[ لنعلم ] أي لنظهر للخلق علمنا، وإلا فالله تعالى عالم بما كان وما يكون
[ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ] أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين : أدعوا شركاءكم الذين عبدتموهم من الأصنام، وزعمتم أنهم آلهة من دون الله، أدعوهم ليجلبوا لكم الخير، ويدفعوا عنكم الضر، قال أبو حيان : والأمر بدعاء الآلهة للتعجيز لإقامة الحجة عليهم
[ لا يملكون مثقال ذرة ] أي لا يملكون وزن ذرة من خيبر، أو نفع أو ضر
[ في السموات ولا في الأرض ] أي في العالم العلوي أو السفلي، وليسوا بقادرين على أمر من الأمور في الكون بأجمعه
[ وما لهم فيهما من شرك ] أي وليس لتلك الآلهة شركة مع الله، لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا
[ وما له منهم من ظهير ] أي وليس له تعالى من الآلهة، معين يعينه في تدبير أمرهما، بل هو وحده الخالق لكل شىء، المنفرد بالإيجاد والإعدام، ثم لما نفى عنها الخلق والملك، نفى عنها الشفاعة أيضا فقال :