[ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ] أي لا تكون الشفاعة لأحد عند الله، من ملك أو نبي، حتى يؤذن له في الشفاعة، فكيف يزعمون أن آلهتهم يشفعون لهم ؟ قال ابن كثير : أي أنه تعالى لعظمته وجلاله وكبريائه، لا يجترىء أحد أن يشفع عنده في شيء، إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كقوله تعالى :[ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ] وقوله :[ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ] وإنما كانت الشفاعة لسيد ولد آدم، إظهارا لمقامه الشريف، فهو أكبر شفيع عند الله، وذلك حين يقوم المقام المحمود، ليشفع في الخلق كلهم
[ حتى إذا فزع عن قلوبهم ] أي حتى إذا زال الفزع والخوف عن قلوب الشفعاء من الملائكة، والأنبياء
[ قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق ] آي قال بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم في أمر الشفاعة ؟ فأجابوهم بقولهم : قد أذن فيها للمؤمنين، قال القرطبى : أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة، وهم على غاية الفزع من الله، لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل، والخوف الشديد أن يقع منهم تقصير، فإذا سري عنهم قالوا للملائكة فوقهم : ماذا قال ربكم ؟ أي بماذا أمر الله ؟ قالوا : الحق أي إنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين
[ وهو العلي الكبير ] أي هو تعالى المتفرد بالعلو والكبرياء، العظيم في سلطانه وجلاله، قال أبو السعود : وهذا من تمام كلام الشفعاء، قالوه اعترافا بغاية عظمة جناب الله عز وجل، فليس لأحد أن يتكلم إلا بإذنه، ئم وبخ تعالى المشركين في عبادتهم غير الخالق الرازق، فقال سبحانه :
[ قل من يرزقكم من السموات والأرض ] أي قل لهم يا محمد : من الذي يرزقكم من السموات بإنزال المطر، ومن الأرض بإخراج النبات والثمر ؟
[ قل الله ] أي قل لهم : الله هو الرازق لا آلهتكم، قال ابن الجوزي : وإنما أمر عليه السلام أن يسأل الكفار عن هذا احتجاجا عليهم، بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقا سواه، ولهذا جاء الجواب [ قل الله ] لأنهم لا يجيبون بغير هذا
[ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ] أي وأحد الفريقين منا أو منكم، لعلى هدى، أو ضلال بين ! ! وهذا نهاية الإنصاف مع الخصم، قال أبو حيان : اخرج الكلام مجرد الشك، ومعلوم أن من عبد الله وحده كان مهتديا، ومن عبد غيره من جماد كان ضالا، وفي هذا إنصاف وتلطف في الدعوى، وفيه تعريض بضلالهم، وهو أبلغ من الرد بالتصريح، ونحوه قول العرب : أخزى الله الكاذب مني ومنك، مع تيقن آن صاحبه هو الكاذب
[ قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ] أي لا تؤاخذون على ما ارتكبنا من إجرام، ولا نؤاخذ نحن بما اقترفتم، وإنما يعاقب كل إنسان بجريرته، وهذه ملاطفة وتنزل في المجادلة إلى غاية الإنصاف، قال الزمخشري : وهذا أدخل في الإنصاف، وآبلغ من الأول، حيث أسند الإجرام لأنفسهم والعمل إلى المخاطبين )
[ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق ] أي يجمع الله بيننا وبينكم يوم القيامة، ثم يحكم بيننا ويفصل بالحق
[ وهو الفتاح العليم ] أي وهو الحاكم العادل الذي لا يظلم أحدا، العالم بأحوال الخلق، فيدخل المحق الجنة، والمبطل النار
[ قل أروني الذين ألحقنم به شركاء ] توبيخ آخر على إشراكهم وإظهار لخطئهم العظيم، أي أروني هذه الأصنام التي الحقتموها بالله، وجعلتموها شركاء معه في الألوهية، وأنظر بأي صفة استحقت العبادة مع الذي ليس كمثله شيء ؟ قال أبو السعود : وفيه مزيد تبكيت لهم بعد إلزام الحجة عليهم
[ كلا بل هو الله العزيز الحكيم ] ردع لهم وزجر أي ليس الأمر كما زعمتم من اعتقاد شريك له، بل هو الإله الواحد الأحد، الغالب على أمره، الحكيم في تدبيره لخلقه، فلا يكون له شريك في ملكه أبدا